ربما اليوم يسكت ازيز الرصاص ودوي القنابل ويخفت ضجيج المقاتلات والاليات الحربية ، لكن الطوفان لن يهدأ ابدا وسيبدأ مرحلة جديدة بتدفق تحرير الاسرى والعودة الى الديار.
اليوم يشهد العالم اجمع ان خطط الصهاينة تبددت وذهبت مع الريح ،تشتتت وغرقت في شلالات دم الاطفال والابرياء ، فلا ترحيل ولا تهجير الى سيناء ، ولا استيلاء على محاور القطاع. تقهقر العدو المحتل في خيبته ولملم اشلاء هزيمته وبقيت غزة شامخة عزيزة رغم جراحها ودمارها.
بداية طوفان الاقصى
في صبيحة يوم الـ7 من تشرين الاول /اكتوبر 2023 ،عصف طوفان الاقصى بالكيان الصهيوني مزلزلا اركان عقيدته العسكرية الصهيونية التي تنطلق وفقا له من أنه القوة التي لاتقهر ولا يمكنه خسارة أي حرب، ومسجلا بذلك عملية تاريخية مرّغت انف العدو الصهيوني المستكبر بالتراب.
وفي المقابل، جن جنون الصهاينة وحشدوا كل عتادهم وشرهم وشنوا عدوانا همجيا على قطاع غزة ، كما انهم استباحوا كل الاعراف والقوانين الدولية والانسانية بمساعدة امريكا واذنابها وارتكبوا ما لايمكن تصوره العقل البشري من جرائم وابادة جماعية بحق اهل غزة العزل.
وبذلك، سعى الصهاينة وعبر تجييش الاعلام الغربي ونشر سرديات كاذبة الى تضليل الرأي العام العالمي حول القضية الفلسطينية المحقة و قانونية عملية طوفان الاقصى ، وتصوير فلسطين وحركات المقاومة على أنهم همجيون لا يستحقون الحياة، ونزع صفة الآدمية عنهم وأن تخليص العالم منهم، هي مهمة نبيلة يضطلع بها جيش الكيان الصهيوني، لتبرير ما هو غير مبرر في سياق الحروب.
وقام الصهاينة وداعميهم بوصف المقاومة والدول الداعمة لها بالإرهاب أو بمحور الشر، لتحويل فكرة الإحتلال الإستعماري الممتد إلى هجوم 7 تشرين الاول/ أكتوبر، وتجميد اتفاقيات وقرارات دولية يفترض الإلتزام بها، إلى تصفية للقضية وتحميل الضحايا مسؤولية المعاناة، وحصر نطاق القانون الإنساني من إنسانية عامة إلى إنسانية انتقائية.
وعلى الرغم من ذلك، الا ان طوفان الأقصى كشف النقاب عن حقيقة الصهاينة الهمجية وساهم في تفوق السردية الفلسطينية وحصارها للسردية الصهيونية، عبر قوة الحقائق ومصداقيتها وصورة الأحداث والوقائع وتأثيراتها، والذي أسفر عن تضييق واضح على الإحتلال الصهيوني، وانحدار في مكانته العالمية التي كان يتمتع بها، وتزايد عدد الدول التي بدأت في قطع علاقتها الدبلوماسية مع هذا الكيان، والذي يؤكد المراقبون أنه يخسر مع مرور الوقت حرب الدعاية وكذلك صورة الضحية.
طوفان الاقصى ومحور المقاومة
لم تقتصر تداعيات طوفان الاقصى على قطاع غزة او فلسطين فحسب ، بل اتسعت رقعته لتُفتح جبهات الاسناد الدبلوماسية والعسكرية المباشرة او غير المباشرة من لبنان والعراق واليمن وايران. مما شكل بداية تحول جذري برؤية قوى المقاومة تجاه الدور الأمريكي الضعيف والآخذ بالضعف في المنطقة.
كما ان وقوف قوى المقاومة في المنطقة الى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته، ادى من جهة الى جعل الفلسطيني ولأول مرة يدرك أنه لم يعد وحيدا بالساحة والجبهة في مواجهة الاحتلال، فهنالك قوى عربية وإسلامية تجاوزت المفهوم المذهبي والطائفي، ومن جهة اخرى أحدث تغييرا برؤية الشعوب العربية والاسلامية حول من هو الذي يقف مع فلسطين ومن الذي يدعم الكيان المحتل أو يغض البصر عما تتعرض له فلسطين والقدس الشريف والأقصى المبارك.
اما على الصعيد الدبلوماسي ، ومنذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، اعربت ايران عن تأييدها الكامل لشرعية وقانونية هذه العملية إذ وصفها متحدث وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، بأنها صفحة جديدة على صعيد المقاومة. كما علق قائد الثورة الاسلامية اية الله العظمى السيد علي الخامنئي على تلك العملية، قائلًا: "إن الشباب الفلسطينى اليوم هم أشد نشاطا وحيوية وجهوزية من أي زمن خلال هذه الأعوام الثمانين الماضية".
وكان موقف ايران واضحا من هذه الحرب، سعت دائما الى الحل الدبلوماسي ومنع توسع رقعة الحرب ومارست ضبط النفس كثيرا. حيث قام وزير خارجيتها السابق الشهيد حسين امير عبد اللهيان ببذل جهود مكثفة للتوصل الى وقف لاطلاق النار في غزة وتقديم المساعدات لاهلها عبر جولاته التشاورية الاقليمية مؤكدا على دعم بلاده لحقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف، و مذكرا ان ما حدث في عملية طوفان الأقصى كان عملا فلسطينيا بحتا جاء ردا على جرائم الصهاينة الاستفزازية المستمرة ضد الفلسطينيين واعتداءاتهم المتكررة على المسجد الأقصى.
موقف ايران واضحا من هذه الحرب، سعت دائما الى الحل الدبلوماسي ومنع توسع رقعة الحرب ومارست ضبط النفس كثيرالكن صبر ايران قد نفذ مرتين حين تصرفت بحكمة ومسؤولية في ردها المشروع والقانوني ضد انتهاكات الكيان الصهيوني لسيادتها الوطنية عبرعملية الوعد الصادق (1 و2) التي وضعت قواعد جديدة ورسخت معادلات مهمة وأربكت حسابات العدو ومَن وراءه .
وفي مقال للاعلامي فايد ابو شمالة (موقع الجزيرة الاخباري) كتب بأن الوعد الصادق لم يكن عملية عسكرية ذات أهداف تدميرية، ولم يكن هناك حاجة لكل هذه الدول لاعتراض هذه القذائف، ولا ينبغي افتراض أن أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى قد سقطوا نتيجة إطلاق مئات المسيرات والصواريخ. فلقد كانت رسالة سياسية وإعلامية بأنّ إيران ولأول مرة تهاجم الكيان الإسرائيلي بشكل مباشر من الأراضي الإيرانية.
وتابع ابو شمالة لعلّ هذا هو ما دفع الاحتلال الصهيوني ومن خلفه الإدارة الأميركية إلى ابتلاع السمّ، واستيعاب هذه العملية والمسارعة إلى احتواء الموقف، وعدم الاندفاع نحو ردود جديدة؛ لأنهم أصبحوا على يقين بأن ذلك سيفتح جبهة جديدة لن تكون قطعا كخمس جبهات سبقتها، لا من حيث نوعية النيران التي ستستخدم فيها، ولا من حيث تأثيرها على المنطقة بأكملها.
زد على ذلك ما يمكن أن تسببه من أضرار على الاقتصاد العالمي؛ نتيجة فقدان الأمن والاستقرار لفترة غير قليلة، فضلًا عن احتمالات المزيد من التوسع، إذا ما دخلت أطراف أخرى كروسيا والصين لسبب أو لآخر، حيث إنّ مصالح أطراف كثيرة، سوف تتضرّر في حال الصدام المباشر بين إيران والكيان الإسرائيلي.
قدمنا اغلى ما نملك
لا يخفى على احد ان هناك تضحيات جمّة تقدم عندما يتم سلوك طريق الحق في مواجهة الظلم والاستكبار لنيل الشعوب حريتها واستعادة ارضها، وايضا لا يخفى على احد ان هذه الحرب ليست كسابقاتها فقد قدمت المقاومة وشعبها اغلى ما تملك قرابين في سبيل الله والوطن ونصرة المستضعفين والزود عن حُرَم المسلمين.
قدمت المقاومة قادة عظام من درة لبنان الثمينة السيد حسن نصرالله وعزيز فلسطين اسماعيل هنية و بطل فلسطين يحيى السنوار وغيرهم الكثير الكثير، وقدم شعب المقاومة دماء وابناء وفلذات اكباد زرعوا اجسادهم واحلامهم في تراب الارض لتزهرعشقا سرمديا ومجدا مخلدا في سجلات الوطن، كما تجرع هذا الشعب الالم والجراح والتشرد والدمار و....، محتسبا كل ذلك لله وحده وفي سبيله وفي سبيل التحرير والنصر والقدس الشريف ونصرة لهذا الدين.
وفي الختام ، نؤكد ان غزّة ،كما لبنان، وقف اطلاق النار ليست منّة انما الفضل الاول والاخير للمقاومة الباسلة وللشعب الصامد والتضحيات التي قدموها، و انه يمثل هزيمة وانكسارا متجددا للصهاينة ونصرا وعزا مؤكدا للمقاومة وشعبها.
تعليقك