قاسم زنجاني
نرحب بقدوم الأمير فيصل بن فرحان وزير خارجية العربية السعودية إلى ايران الإسلام.
إن القيم الإسلامية، ومبادئ الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية، ونهج الإمام الراحل رضوان الله عليه وقائد الثورة، ودستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وسياسة الجوار للحكومة الحالية، كلها تستلزم علاقات متينة مع جميع دول المنطقة ومنها العربية السعودية.
كما أن استراتيجية "الوحدة الإسلامية" التي وضعتها إيران بعد انتصار ثورتها، ترتقي بهذه العلاقات إلى مستوى الأواصر الأخوية. ولو استشرفنا مستقبل العالم ومكانة الأمة الإسلامية في موازين القوة فيه، سوف نتأكد أن هذه العلاقات الأخوية تصل إلى موقع العلاقات الإستراتيجية والحضارية إذا وضعناها في إطار رؤية استشرافية تؤمن بقدرات الشعوب المسلمة الذاتية.
أضف إلى ذلك أن التطورات التي حققتها إيران في مجموعة من التخصصات الإستراتيجية في مجال العلوم والتكنولوجيا والصناعات الدفاعية على الرغم من الحصار الخانق ضدها من جهة، وخطة السعودية الطموحة لتحقيق التنمية الإقتصادية المبنية على التقنيات المتطورة وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي من جهة ثانية، من شأن كل ذلك أن يوصل هذه العلاقة الاستراتيجية إلى مراحل عملياتية بين الطرفين.
لاشك أن أولئك الذين يعادون حركة إعادة المجد الإسلامي ووحدة المسلمين، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، لايتحملون أي تقدم في تقارب الدول المسلمة، وسيبذلون كل جهودهم لتخريب الاتفاق بين إيران والسعودية.
لكنه وبغض النظر عن محاولات الأعداء إن بعض التقارير والأخبار المعلنة وغيرالمعلنة لدى بعض دول المنطقة وقواها ترسل رسالة مفادها أن العربية السعودية تنظر إلى الاتفاق المبرم بين البلدين كمبادرة تكتيكية مؤقتة لكسب الوقت وضمان أمن مشاريعها الاقتصادية، لاسيما المشتركة منها مع الصين. وأيًا ماكان المنحى الحقيقي للسعودية فإن الاهتمام بمطالبات الرأي العام في إيران والمنطقة يستدعي أن يكون هذا الاتفاق اتفاقًا طويل الأمد يحقق المصالح العليا للأمة الإسلامية، وإن كانت النظرة التكتيكية في محلها وأفضل من التقابل والنزاع.
إن السلام والأمن والاستقرار والثبات والعدالة في هذه المنطقة تشكل أركان حياة جماعية مبدئية لشعوبنا، وتعدّ من ضرورات تحقيق التنمية، لكن التنمية والأمن والعدالة لن تتحقق في أي دولة أو ليست مضمونة أو مستدامة إذا كانت دول الجوار تفتقد كل ذلك.
إن هذه الرؤية تستوجب المبادرات التالية:
-إنهاء أزمة اليمن وتعويض الخسائر وضمان حقوق الشعب ومنها حقه في تقرير المصير
-وضع حلول عادلة نابعة من إرادة الشعوب غيرمفروضة من الخارج لمختلف ملفات المنطقة والجبهة التي تعرف اليوم بمحور المقاومة والتي قلبت موازين القوة لصالح الشعوب كالعراق وسوريا ولبنان وغيرها
-التسليم بأن الكيان الصهيوني لايمكن أن يكون عضوًا طبيعيًا في جسد الأمة والمنطقة ناهيك عن إمكان الاعتماد عليه في المجالات العسكرية والأمنية أو التقنيات الحديثة وغيرها
-وأخيرًا وليس آخرًا تصحيح الرؤية الجارية بالنسبة لهوية الشيعة ووجودهم ودورهم، ليس باعتبارهم طائفة أو مذهبًا بل كواقع جيواستراتيجي قوي في المنطقة.
فكل ماذكرناه يعدّ من لوازم اتفاق جيد مستدام واستراتيجي بين دولتين مهمتين في عالمنا
الإسلامي، وينبغي أن يكون موضع اهتمام أصحاب القرار والسلطة في العربية السعودية إذ لن تستقيم الأمور في منطقتنا من دون ذلك.
لكن الوضع الحالي في القضايا المذكورة ليس مشجعًا كما ينبغي كما يراه بعض الخبراء. والجدير بوزير الخارجية السعودي أن ينقل وجهة نظر النخب بصدق وشفافية إلى السلطات العليا في بلاده، وذلك حول ضرورة تغيير المسارات الراهنة، لأن التحرك العملي من قبل جميع واضعي السياسات وأصحاب القرار والمسؤولين التنفيذيين لتصحيح المسارات يعدّ ضرورة ملحة وفورية.
وكنموذج بسيط ومهم جدًا في نفس الوقت نشير إلى أن الإعدامات الأخيرة في السعودية أثارت علامات استفهام لدى الرأي العام للشعوب. وإذا كان البعض يدعو حكومة إيران لالتزام الصمت بحجة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للسعودية فإن هذا الصمت محل نقد واستفهام لعدة اعتبارات:
-هل تلتزم السعودية بدورها بعدم التدخل؟
-هل يمكن تبرير هذا الصمت وتقديم ردود لتساؤلات الرأي العام ومؤسسات حقوق الإنسان، بل والأهم من ذلك للضمير الإنساني وللتاريخ وللمسؤولية الإلهية في الدفاع عن الناس؟
-ألا يستلزم إنجاح الاتفاق وتحسين العلاقات تكوين جوٍ من الاستقرار والصداقة والاهتمام بالرأي العام؟ وألا تكرس موجات الاعتقال والإعدام التعسفية أجواء عدم الثقة؟
كما أن المملكة السعودية مدعوة أيضًا للإجابة على هذا السؤال وهو: ألا تتطلب سياسة التنمية الاقتصادية في البلاد تحقيق الوفاق الوطني والاستقرار الداخلي؟
نتمنى النجاح للأمير فيصل بن فرحان في مهمته في تهران، ونعتبر أن السياسات الأخيرة للسعودية على صعيد العلاقات الدولية والإقليمية تعدّ أكثر واقعية، ونؤمن أن اتفاقًا استراتيجيًا بعيدالمدى هو لصالح العالم الإسلامي، ونرحب باستتباب الأمن الذاتي بعيدًا عن حضور الأجانب في الخليج الفارسي وكل المنطقة، لكننا نقول إن موضوعة الأمن أوسع أفقًا من التصور الجاري والمنحى التجزيئي للسعودية.
فالأمير فيصل خبير في الصناعات الدفاعية والجوفضاء، وله معلوماته في العلوم والتكنولوجيا، ويعرف قدرات إيران في مختلف المجالات الصناعية والدفاعية والاقتصادية. إن الخبرات العلمية والتقنية لإيران تشكل أرضية مناسبة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الطرفين. إننا لانغفل عن واقع الحصار والضغوط الأمريكية لكننا نذكر أصحاب السمو أن الولايات المتحدة تركت السعودية لوحدها في لحظات الحاجة إليها، بينما يكفي لتقييم المناقبية الدبلوماسية لإيران أن نتذكر ما قاله المرحوم تشافيز في اجتماع مجلس وزراء بلده أن "إيران كانت الدولة الصادقة الوحيدة في تعاملها معنا". إن صدق إيران وثقة فنزويلا تجسدت اليوم في عشرات المصانع والمشاريع الاقتصادية والاتفاقيات المتعددة التي أبرمت مؤخرًا.
دعونا لانذهب بعيدًا. فإيران أثبتت مصداقيتها ومناقبيتها وأخوتها خلال الحرب الثانية في الخليج الفارسي، على الرغم من عتبها على أصدقائها العرب بسبب موقفهم وأدائهم خلال الحرب التي فرضها صدام حسين.
صاحب السمو! بدلًا عن رائحة غاز الخردل التي تكبدها شعبنا خلال حرب الثماني سنوات دعونا نشتم رائحة التعاون والتنمية والازدهار. وإن من مبادئ الجيل الثالث لحقوق الإنسان أو حقوق التضامن هو حق التنمية. فلا تنمية لأي بلدٍ إن كانت الدول الأخرى غيرنامية. ولو أن المليارات من الدولارات التي صرفت للحروب في المنطقة كانت تستثمر للتنمية لكانت صورة العالم الإسلامي والمنطقة اليوم أجمل مما هي عليه. إيران تؤمن أن عملية التنمية في السعودية رهينة بالتنمية الإقليمية من اليمن حتى العراق وسوريا ولبنان وكل المنطقة.
كما أن الشعب الإيراني لن يرضى باتفاقٍ مؤقت وجزئي. وهذه تجربة الاتفاق النووي والضغوط الأمريكية لفرض حلٍ مؤقت وجزئي أمامكم تدل على واقع التفكير والمبادرة في إيران.
أهلًا بكم سمو الأمير، لكننا نأمل منكم أن تنقلوا رسالة العز والقوة للشعوب في إيران والمنطقة إلى رجال القوم.
تعليقك