بدا السید رئیس الوزراء نجیب میقاتی عمله بمصائب و مشاکل کثیرة اما من هو یکمن ان ینکر ان العملیة السیاسیة فی لبنان غیر معقدة دائمیا فهذا لا یستثنی احدا حتی سید میقاتی. نحن فی الحکومة نری ان ستکون الحکومة اللبنانیة النجیب میقاتی امام اختبار نوایا حقیقی حول المحکمة الدولیة المکلفة النظر فی اغتیال رفیق الحریری. حکومة التی تشکک فی مصداقیتها الاقلیة و مؤلفة من حزب الله وحلفائه.
الاسبوع الماضی کانت من اصعب اسابیع لحکومة الجدیدة. بعد العراک التی حصلت مع سفیرة الامریکیة و مناقشات صاخنة التی جرت فی مبنی الوزاری، بالتالی لاحظنا استأثرت المحکمة بجلسات مناقشة البیان الوزاری للحکومة فی مجلس النواب الاسبوع الماضی. فقد انتقدت المعارضة بحدة البند الملتبس فی البیان حول احترام القرارات الدولیة و متابعة المحکمة، مطالبة باعلان واضح بـالتزام التعاون مع المحکمة الخاصة بلبنان.
بات من الواضح ان هذه الحکومة لا یمکنها القیام بالشیء الکثیر لتقدیم مساعدة فعلیة للمحکمة التی اصدرت اخیرا مذکرات توقیف فی حق اربعة عناصر من حزب الله بتهمة المشارکة فی قتل رئیس الحکومة السابق العام 2005.
و الآن تتوقع ان تزداد معارضة حزب الله للمساهمة المالیة (فی تمویل المحکمة) الآن واتفهم فی الوقت عینه عدم قدرة میقاتی على تحدی المجتمع الدولی حول هذه المسألة. منذ تشکیل حکومة میقاتی برزت مواقف عدة لا سیما من الامم المتحدة وفرنسا وواشنطن، تدعو لبنان الى احترام التزاماته الدولیة لجهة المحکمة التی أنشئت العام 2007 بقرار من مجلس الامن بناء على طلب من لبنان.
الکثیرون یسئلون کیف ستعاطی الحکومة فی تلک الظروف مع محکمة الدولیة لاغتیال الحریری؟ لعل ابرز ما اثار علامات استفهام حول کیفیة تعاطی الحکومة فی المرحلة المقبلة مع المحکمة الخاصة بلبنان، هو اعلان نجیب میقاتی ان حکومته ستتابع التعاون مع المحکمة، بینما یجاهر حزب الله برفضه المحکمة "المسیسة" و"الفاسدة" و"اتهاماتها الباطلة". وصف رئیس تیار 14 آذار و رئیس الحکومة السابق سعد الحریری فی حدیث تلفزیونی الثلاثاء الکلام الحکومی بـ"المتناقض"، قائلا "هم یقولون انهم لن یتعاونوا مع المحکمة الدولیة ثم یقولون کلاما متناقضا فی البیان الوزاری، ثم یقول رئیس الحکومة الذی هو وکیل لحزب الله، انه ملتزم بالـ1757. کیف نصدق ومن نصدق؟". وحریری یعلن بالصراحة انه "خائف على موضوع التمویل، وسنرى اذا کانوا سیمولون ام لا. فهو بالتالی یستهزء و یقول هکذا نکون عرفنا موقف الحکومة". هو یستهزء و نسی ما مضی علی المحکمة والده فی ایام التی کان هو رئیس الدولة. هو عامل مع المحکمة معاملة سیئة و لاحصل ای شیء.
ویساهم لبنان بنسبة 49% من تمویل المحکمة، وهو لم یدفع حصته بعد للعام 2011. اما سنة 2010، فقد تولت وزارة المال فی حکومة الوحدة الوطنیة التی کان یتراسها سعد الحریری، الدفع عبر سلفة خزینة، من دون المرور بمجلس الوزراء. واثار هذا الموضوع انتقادات حزب الله وحلفائه الذین رفضوا اقرار بند التمویل فی الموازنة العامة خلال مناقشتها فی اللجان النیابیة تمهیدا لاحالتها الى مجلس النواب. ولم یناقش المجلس المیزانیة بتاتا بسبب حدة الازمة التی شهدها لبنان فی ذلک الوقت على خلفیة الخلاف حول المحکمة وانتهت بسقوط حکومة الحریری فی کانون الثانی/ینایر 2011.
فمن الانتظار ان میقاتی الذی یقدم نفسه على انه وسطی سیعمل على تجنب طرح مسألة التمویل داخل مجلس الوزراء لیتجنب حتمیة اتخاذ موقف منها.
من ناحیة، نظریا، هذه المسألة یجب ان تمر عبر الحکومة. رئیس الوزراء یملک القدرة على تعطیل ذلک عبر عدم طرحها على جدول الاعمال. فی المقابل، قد یطرح موضوع التمویل کجزء من نقاش الموازنة العامة، وفی امکان الاکثریة النیابیة، ای حزب الله وحلفائه، حینها ان یعطلوا.
من الواضح انه لا یوجد تناقض فی موقف الحکومة لان الحکومة الحالیة تبنت عن قصد موقفا ملتبسا من المحکمة وغیر واضح، بحیث تبقی هامشا واسعا للتعامل مع مسألة متفجرة مثل هذه. هذا الهامش یسمح الیوم لفریق فی نحن نحن نعلم ان الحکومة یعارض علنا بالمحکمة، ولجزء آخر بان یقول انا ادعم المحکمة. بهذه الطریقة لا یکون میقاتی مضطرا للقیام بامر یتحمل مسؤولیته مباشرة امام المعارضة. وتقابل الاکثریة بکل اطیافها التساؤلات حول التمویل والتدابیر العملیة للتعاون مع المحکمة بالصمت فلهذا اعتبر الحریری، ان الحکومة هی حکومة حزب الله ومن یقرر فیها هو حزب الله.
اما انتظار لتسلیم المتهمین بات عملا عبثا. ای دولة کانت تحکم علی لبنان ماکان علی قدرته ان تسلم المتهمین الی المحکمة، حتی حکومة سعد الحریری. لانه لایتوقع ان حزب الله یسلم احدا من اعضاءها الی المحکمة الدولیة لاغتیال رئیس الوزراء الراحل الرفیق الحریری. اکد الامین العام لحزب الله حسن نصرالله ان "ای حکومة لن تکون قادرة على ایجادهم واعتقالهم". وامام السلطات اللبنانیة مهلة ثلاثین یوما (من دون العطل) منذ تسلمها مذکرات التوقیف فی 30 حزان/یونیو، لابلاغ المحکمة بما فعلته فی هذا الاطار ویقولون البعض ان السلطات اللبنانیة تحقق فی مکان وجود المتهمین، وعندما تنتهی مهلة الثلاثین یوما، ستبلغ الحکومة المحکمة انها لم تعثر علیهم فی ای مکان. تقنیا، هذا کل ما هو مطلوب من الحکومة الآن.