یعبر مرکز البحرین لحقوق الإنسان عن قلقه الشدید جراء الحملة القمعیة التی قادها النظام الحاکم فی البحرین ضد کل من عبر عن رأیه بالمطالبة بمزید من الحریات والدیمقراطیة وحقوق الإنسان، والتی طالت هذه المرة منتسبی السلک العسکری فی وزارة الداخلیة ووزارة الدفاع، وهما المؤسستان اللتان یرأسهما أفراد من الأسرة الحاکمة، حیث أقدمت السلطات على قتل واعتقال وتسریح أعداد کبیرة منهم، وقد وثق المرکز منها أکثر عن 248 حالة.

وقال مرکز البحرین لحقوق الإنسان فی تقریر ان النظام الحاکم فی البحرین ومنذ عقود من الزمن یمارس سیاسة التمییز الطائفی فی المؤسسات العسکریة سواء وزارة الداخلیة أو وزارة الدفاع وکل المؤسسات العسکریة الأخرى . فمنذ السبعینات وبعد استقلال البحرین قادت السلطة فی البحرین حملة تمییز وتهمیش طائفی أفضت إلى فصل وسجن أعداد کبیرة من العاملین فی السلک العسکری.

واوضح هذا المرکز: لقد استمر هذا التمییز ضد الشیعة فی هذه المؤسسات إلى یومنا هذا حیث وصل ذروته مند شهر مارس الماضی، من خلال قتل وسجن وتعذیب العدید من المواطنین الشیعة العاملین فی الشرطة والجیش . ولسد ذلک الفراغ الوظیفی فی المؤسسات العسکریة یستعین النظام بتوظیف قوات أجنبیة یعملون فی القوى الأمنیة والجیش.

واکد المرکز: منذ یوم الاثنین الموافق 14 فبرایر 2011 اندلعت موجة المظاهرات السلمیة مستلهمة من الربیع العربی فی تونس ومصر ووقف العدید من العاملین فی السلک العسکری مع بقیة أبناء الشعب للمطالبة بالحریة و بالحقوق السیاسیة والمدنیة التی کفلتها المواثیق الحقوقیة الدولیة کذلک دستور مملکة البحرین . ففی یوم الخمیس الموافق 17 فبرایر، شنت قوات الجیش هجوماً مباغتاً على المعتصمین المسالمین بمیدان اللؤلؤة فی ساعات الفجر الأولى، الأمر الذی أثار سخطاً کبیراً بین أبناء الشعب بکافة طوائفه وانتماءاته وتوجهاته، ودفعت تلک الاحتجاجات ولی عهد البحرین سلمان بن حمد آل خلیفة للظهور على شاشة التلفزیون الرسمی، محاولاً تخفیف حدة التظاهرات، ومعترفاً بأن لکل مواطن الحق فی التعبیر عن رأیه بالطرق السلمیة.

وتابع قائلا: فی یوم الجمعة الموافق 20 مارس 2011 تلقت أسرة العسکری جواد الشملان اتصالاً من وزارة الداخلیة یفید بمقتله فی ظروف وتفاصیل غامضة. وکان الشملان قد تأخر عن موعد عودته من عمله فی مرکز شرطة الخمیس، الأمر الذی دفع أسرته للاتصال به عدة مرات على هاتفه النقال دون جدوى. إلى أن أجاب أحد الأشخاص على الاتصالات المتکررة قائلا لهم إن ابنهم قد قتل.
وفی الیوم الثانی استلمت أسرته الجثة التی ظهر علیها أثار إطلاق الرصاص الحی على رجله وبطنه إضافة إلى طعنة من الة حادة فی الظهر.

واضاف: کما قتل العسکری عبدالعزیز جمعة عیاد تحت التعذیب بالصعق بالکهرباء فی السجن بعد اعتقاله من قبل من یعتقد انهم الشرطة العسکریة حیث اختفى عیاد الذی یعمل فی قوة دفاع البحرین وانقطعت أخباره عن أسرته منذ 13 مارس وبعد أیام من اتصاله بهم لیطلعهم بأنه قد رفض الأوامر بانضمامه إلى فرقة القناصة لقمع الاحتجاجات.

وصرح مرکز البحرین لحقوق الانسان فی هذا التقریر : "فی تاریخ 24 مارس اتصل أحد المسئولین فی المستشفى العسکری بأفراد أسرته لیخبرهم بوفاته وتبین أنه قتل تحت التعذیب والصعق الکهربی لاحقا، وأن مقتله کان بتاریخ 17 مارس بحسب ما جاء فی التقریر الطبی أی قبل أسبوع من اطلاع أسرته بمقتله. ورفض المستشفى العسکری لاحقا تسلیم جثته بسیارة الإسعاف کما هو دارج بل طلب من الأسرة أن تستلم الجثة بسیارتهم الخاصة".

وافاد التقریر"اعتقل العسکری بقوة دفاع البحرین ص. س. فی یوم الأربعاء الموافق 16/3/2011 بعد التحقیق معه عن صور کان یلتقطها مع زملائه . ومن ثم تم نقله الى مکان به ما یقارب ثلاثین مدنیا ملثمین لیبدأوا بضربه وتعذیبه بشکل مستمر مستخدمین کابل مطاطی وآلات حدیدیة وبعد تجریده من ملابسه وشتمه بعبارات طائفیة تستهدف عقائده . وفی فجر الخمیس 17/3 نزعوا عنه اللثام وفکوا قیوده بعد ان هددوه طالبین منه التوقیع على تعهد لم یعلم محتواه، ومن ثم طلب منه نسیان ما حدث له وعدم التحدث عنه لعامة الناس والا سیتم تکرار ذلک. وفی تاریخ 17-7 تلقى ص. س. قرار الفصل من الخدمة العسکریة بدون أی سبب معروف".

وتابع  التقریر :" فی أعقاب الهجوم الوحشی على المعتصمین فی میدان اللؤلؤة والذی أدى لوفاة 4 شهداء أعلن مجموعة من العسکریین انسحابهم من السلک العسکری احتجاجا على قتل المدنیین ومطالبین بنفس مطالب الناس بالدیمقراطیة وحقوق الانسان. وکان أولهم علی جاسم الغانمی والذی ذهب لمستشفى السلمانیة لمعاینة المصابین والقتلى وأعلن من هناک عن انسحابه من السلک العسکری احتجاجاً على الممارسات القمعیة التی یقوم بها رجال الجیش والشرطة ضد الناس المسالمین العزل. وکان الغانمی قد اختفى بعد أیام من دخول قوات درع الجزیرة للبحرین وهجومها على الاعتصام بدوار اللؤلؤة ، وبعد حملة اعتقالات واسعة قادتها السلطة ضد المواطنین المشارکین فی الاعتصامات والمسیرات المطلبیة. وعرف فیما بعد أن منزله تعرض للهجوم الامنی لاعتقاله ومن ثم تکسیر محتویاته وسرقة نقوده ومقتنیاته الثمینة من قبل قوات الامن انتقاما منه ومن اسرته. وفی سبیل دعم التحرکات المطلبیة شارک علی الغانمی أبناء شعبه بإنشاء صفحة إخباریة عبر الموقع الاجتماعی الشهیر "فیس بوک" ولکنه سرعان ما اعتقل وأغلقت الصفحة التی یقوم علیها. ولحد الآن یقبع العسکری الغانمی فی السجن منذ اعتقاله بتاریخ 28 مارس 2011 دون أن یقدم لمحاکمة ودون أن یعرف تهمته التی اعتقل من أجلها".

واضاف التقریر: "توالت الأحداث الدمویة منذ الهجوم على الدوار واستهداف العسکریین وکان فصل الانتقام من العسکریین الشیعة هو السمة البارزة؛ حیث أن أغلب المحتجین المطالبین بالدیمقراطیة وحقوق الانسان هم ینتمون للمذهب الشیعی. حیث جرى الانتقام منهم بعد البدء باعتقال مجموعة منهم عبر مداهمات منازلهم فی ساعات الفجر، وتکسیر کل محتویات منازلهم فی الکثیر من الأحیان وکذلک سرقة المقتنیات والاموال التی تحویها منازلهم، ومن ثم محاکمتهم محاکمات عسکریة سریعة دون مراعاة للمعاییر الدولیة للمحاکمات العادلة من حیث وجود المحامی وحقوق المتهم فی الدفاع.
وتراوحت فترات الأحکام فیها بین أربع وسبع سنوات .

ولعل التهمة الأبرز هی "المشارکة فی تجمهر الغرض منه الإخلال بالأمن" وهذا بعد أن اعتلى البعض منهم المنصة فی الدوار، لیعلنوا موقفهم الرافض لقتل الناس والمدنیین وأبدوا تعاطفهم مع مطالبه المشروعة بالدیمقراطیة وحقوق الانسان.

واردف التقریر قائلا : "من بین العسکریین الذین استهدفوا کذلک لاعبی منتخب البحرین علاء ومحمد حبیل الذین تم اعتقالهما وتعذیبهما داخل السجون، إضافة إلى عدة لاعبین آخرین ینتمون للسلک العسکری والریاضی. وعلى الرغم من أنه تم الإفراج عنهم بعد عدة شهور إلا أن محاکماتهم لازالت قائمة مما یمنعهم من الحدیث عن ما تعرضوا له من تعذیب وسوء معاملة".

وصرح:  "یقبع حالیا فی مرکز توقیف المحرق مالا یقل عن 120 شرطیا تم التحقیق معهم بتهمة المشارکة فی الاحتجاجات السلمیة المطالبة بالدیمقراطیة والعدالة الاجتماعیة. وقد تم تقدیم بعضهم للمحاکمات السریعة بینما لا زال البعض الآخر ینتظر محاکمته. ویتعرض معظم المعتقلین فی البحرین للتعذیب الممنهج حیث قتل 4 مواطنین فی داخل السجون منذ بدایة الاحتجاجات فی فبرایر".

واللافت فی الأمر إن استهداف العسکریین سبق تاریخ 16 مارس وهو موعد دخول قوات درع الجزیرة للبحرین وفض الإعتصام بدوار اللؤلؤة بالقوة. فقد فُقِدَ یوسف سلمان علی سلمان یوسف الجردابی - موظف بالمستشفى العسکری - بتاریخ 11 مارس 2011 ثم اتصل أحد زملائه لیخبر أهله باعتقاله بتهمة تصویر الجرحى على الرغم من عدم وجود جرحى للأحداث فی تلک الفترة.
وقد استهدفت مجموعة من العسکریین لأسباب تافهة وصلت لاعتقال من تحدث مع زملائه وتساءل "لمَ لا یتنحى رئیس الوزراء خلیفة بن سلمان الخلیفة ؟ لیعتقل مباشرة بعد تصریحه ویحاکم کما حصل مع الشرطی محمد العویناتی . والبعض الاخر اعتقل لمجرد دعابة عن طریق رسالة هاتفیة لزمیله نصها " کح کح ککح" على غرار ما ینتشر فی الشارع البحرینی - نغمة یسقط حمد - والتی انتشرت فی مسیرات السیارات التی اقامها شباب ثورة 14 فبرایر، لیشی به زمیل آخر ویودع السجن کما حصل مع الشرطی سید احمد عباس العلوی.

واوضح التقریر: کثیر من المعتقلین کان سبب اعتقالهم هو وجود صورة لهم فی دوار اللؤلؤ نشرت على أحد الصفحات الأمنیة التی تدیرها الأجهزة المخابراتیة على مواقع التواصل الاجتماعی کالفیسبوک والتویتر، أو حتى صورة ربما یحملها هاتفهم النقال ومرتبطة بالاحتجاجات وهی کفیلة بالزج بهم فی السجن والحکم علیهم بأحکام لا تقل عن سنتین سجن کما حدث مع العسکری حسین علی أحمد عیسى. کما إن رفض الأوامر شأنٌ آخر، فقد اعتقل سید قاسم هادی المرزوق - الفائز بعدة جوائز على مستوى البحرین والخلیج الفارسی بالرمی بسلاح الشوزن - بسبب رفضه قمع الناس فی الاحتجاجات المطالبة بالدیمقراطیة. وحتى العسکری الذی استقال احتجاجاً على ما یحصل لم یسلم من الاعتقال والمحاکمة کما هو حال الشرطی رضا کاظم أحمد العویناتی.

وتباع التقریر قائلا: "ویوجد ما لا یقل عن خمسة عسکریین مفقودین منذ یوم الهجوم على دوار اللؤلؤة بتاریخ 17 مارس دون أن یعلم ذویهم عنهم أی شیء منهم سید علی سید عاشور -لاعب-، ونسیم یوسف حسین الذی لازالت الجهات الأمنیة تداهم منزله لاعتقاله وقد تم تهدید زوجته بأنه سیتم اعتقال کل إخوتها فی حال عدم تسلیم زوجها لنفسه. وحسن خلیل العقش - تمت مداهمة منزله ثلاث مرات تم تهدید أخوه باعتقاله من المدرسة الأمر الذی دفعه لتحویل نظام دراسته "منازل" اتقاء من تعرضه للاعتقال".

وبررت السلطة فی البحرین اعتقالها لمئات العسکریین بالقانون الذی یمنع العسکریین من المشارکة فی أی تجمعات سیاسیة بل حتى الانتماء للجماعات السیاسیة، وهو ما یعد مخالفة صریحة للمادتین 19 و20 من الإعلان العالمی لحقوق الإنسان حیث تنصان على: المادة 19: لکل شخص الحق فی حریة الرأی والتعبیر، ویشمل هذا الحق حریة اعتناق الآراء دون أی تدخل، واستقاء الأنباء والأفکار وتلقیها وإذاعتها بأیة وسیلة کانت دون تقید بالحدود الجغرافیة. والمادة 20: لکل شخص حق فی حریة الاشتراک فی الاجتماعات والجمعیات السلمیة لا یجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعیة ما.
وقد سبق لمرکز البحرین أن وثق فی تقریر سابق حجم التمییز الذی یمارس ضد المواطنین الشیعة فی مجال التوظیف فی الأجهزة الأمنیة فی الدولة، وهی التی تشکل أکبر جهة توظیف فی البحرین (أکثر من 60 ألف منتسب) وتحصل على أکبر میزانیة فی الدولة ولکن نسبة المواطنین الشیعة فیها هی الأقل حیث لا تتعدى نسبة 1%. ویعتقد المرکز أن العدید من هؤلاء العسکریین تم الزج بهم فی السجن دون أن یکونوا مشارکین فی أی احتجاجات مطالبة بالدیمقراطیة وإنما استهدفوا على أساس طائفی ونتیجة خلفیتهم المذهبیة. وأن وزارة الداخلیة وقوة دفاع البحرین رأت فی هذه الاحتجاجات فرصة سانحة لتطهیر مؤسساتهم من القلة المتبقیة من أبناء الطائفة الشیعیة، حتى باتت هذه المؤسسات بؤرة ونماذج التطهیر والتمییز الطائفی الذی یمارس فی البحرین.
یرجع وزیر الدفاع البحرینی المشیر الرکن خلیفة بن أحمد آل خلیفة لقسم من الأسرة الحاکمة التی لها عداء تاریخی مع أبناء الطائفة الشیعیة منذ بدایة القرن الماضی، ولکنه استطاع من خلال هذه الأزمة أن یجر اغلب رموز البلاد من الأسرة الحاکمة الى هذه الحالة من العداء التاریخی مع الشیعة.
وبناء على ما سبق فإن مرکز البحرین لحقوق الإنسان یطالب بالتالی:
1. الإفراج الفوری عن کل سجناء الرأی من العسکریین والمدنیین
2. التحقیق مع من تسبب فی قتل وسجن وتعذیب العسکریین بصورة علنیة وشفافة، وتعویضهم عن کل الجرائم التی ارتکبت ضدهم وارجاعهم الى اعمالهم
3. وقف التمییز الممنهج ضد أبناء الطائفة الشیعیة فی مؤسسات الدولة وفتح المجال أمامهم للعمل فی السلک العسکری والمدنی، لتکون هذه المؤسسات وطنیة معبرة عن نسیج البلاد المذهبی والاجتماعی.
4. وقف استقدام الأجانب للعمل فی قوات الجیش والشرطة. ووقف الاستعانة بالمرتزقة فی صفوف الاجهزة الامنیة
5. إبعاد الشخصیات من الأسرة الحاکمة التی تقف وراء التمییز والتهمیش والشحن الطائفی والتی کان لوجودها التأثیر الکثیر على ما تعانیه البلاد من مشاکل.

رمز الخبر 166201