داود احمد زادة
من جهة اخرى یبدو ان الحلول المقتدرة التی یرمی الیها بعض فلول مبارک فی المؤسسة العسکریة بغیة استتباب الامن ومنع اتساع رقعة الفوضى لم تتمکن بدورها من تقدیم الاحد الادنى من المساعدة لعودة الاستقرار و الهدوء الى مصر من جدید. فی هذا المسار الصعب، وعقب اجراء الانتخابات البرلمانیة فی مصر واقتدار الاخوان المسلمین تواصلت اعمال التشویه للتیارات القومیة واللیبرالیة بموازاة اعمال العنف التی ینتهجها العسکریون ضد اتباع النهج الاسلامی. من ناحیة اخرى تعتبر الانتخابات البرلمانیة المصریة فی 2012 رمز لاتساع مکانة واقتدار الاخوان، انتخابات اقیمت بمشارکة کافة القوى السیاسیة فی البلاد. وانتهت بفوز الاخوان لکن یبدو انها خلقت ظروفا صعبة للغایة لجنرلات مصر لانه مع اجراء الانتخابات الرئاسیة وتحدید المرشح الفائز ، بغض النظر عن انتمائه لای تیار او طیف سیاسی ، سیضطر العسکریون الى تودیع السلطة بمرارة، بالرغم من ان المجلس العسکری فی مصر لا یزال یعول على مرشحین مثل احمد شفیق، محمد صباحی وعمرو موسى بحیث فی حال فوز هؤلاء على المرشحین الاسلامیین (محمد مرسی وابو الفتوح) سیتمکنون من حفظ دورهم التقلیدی فی الساحة السیاسیة ، ومع هذا فان حتى المرشحین القومیین امثال عمرو موسى یشددون على ضرورة نقل السلطة فی موعدها المقرر الى من ینتخبه الشعب. ولا شک شهدنا افولا نسبیا لتاثیر الجیش باعتباره مؤسسة لها ثقلها عقب الانتخابات البرلمانیة وان ای مقاومة امام ارادة الشعب وعدم نقل السلطة من الممکن ان تفضی الى نتائج لا تحمد عقباها وستنعکس تداعیاتها على هذه القوة المؤثرة فی المجتمع المصری.
ونظرا لان سیر تکامل الثورة المصریة ذو طابع اصلاحی وتدریجی فمن المتوقع ان تکون عملیة اجراء الانتخابات الحرة فضلا عن المشارکة الواسعة لکافة الاطیاف السیاسیة، نقطة عطف فی الحیاة التاریخیة لمصر. بالطبع اظهرت نتائج الانتخابات خارج مصر ان التوجه العام لا یزال نحو التیارات الاسلامیة وبالرغم من الدعایة والتکالیف الباهظة للاطیاف القومیة واللیبرالیة فان فوزها على الاخوان یبدو صعبا وغیر ممکنا، ومع هذا شهدت الساحة الداخلیة والاقلیمیة خلال الاسبوع الاخیر المتبقی على اجراء الانتخابات الرئاسیة المصریة الحاسمة عدة تحولات یمکن ان تمثل تهدیدا خطیرا للمستقبل السیاسی للتیار الاسلامی وان تکلفه الکثیر.
ونظرا لان معسکر الاسلامیین له عدة اصوات وهناک تشتت فی الاراء من الناحیة العملیة فی صفوف هذا التیار، ای تواجد ابو الفتوح ومحمد مرسی بشکل متزامن فان هذا الامر ربما سینتهی لصالح اللیبرالیین والقومیین. نرى فی هذا الطیف السیاسی بدء حزب النور باعتباره ممثل السلفیین الذین یحظون بدعم السعودیة وقطر العمل بجهود مضاعفة لایجاد توتر واختلاف بین الاسلامیین. وبالرغم من الثقل السیاسی لهذا الحزب الرادیکالی المتطرف السلفی لیس بالمقدار الذی یمکنه لوحده من تعیین مصیر الانتخابات لکن الانتخابات البرلمانیة المصریة اظهرت ان هذا التیار یمکنه التاثیر على صعید ایجاد توازن فی القوى وتقسیم المناصب الحساسة.
من جانب آخر، نرى ان السعودیة وبعض دول الخلیج الفارسی العربیة ومن خلال الاصطیاد فی الماء العکر للاجواء السیاسیة التی تخیم على مصر تسعى من خلال ضخ الاموال بصورة سریة تارة وعلنیة تارة اخرى الى شراء الآراء وتوفیر الارضیة اللازمة لفوز عمرو موسى او احمد شفیق وتتعاون فی هذا المجال مع الاجهزة الاستخبارتیة والامنیة الامیرکیة والاسرائیلیة. لذلک من الممکن وبالرغم من حضور المراقبین الدولیین الذین یشرفون على حسن اجراء الانتخابات، هناک امکانیة لان نشهد وجود عملیات تزویر او تلاعب بالتصویت للحیلولة دون اکمال عملیة الفوز النهائی للاخوان.
ان شبهة التزویر امر وارد بسبب النهج الذی یسلکه المجلس العسکری فی قمعه للاحتجاجات الشعبیة بغرض اعادة رموز مبارک امثال احمد شفیق وعمرو موسى لیکونا عامل ضغط ضد التیار الاسلامی والمضی بالحکومة المصریة المقبلة الى طریق مسدود. کما ان هناک امکانیة لعدم تایید نتائج الانتخابات والانقلاب العسکری. لا شک انه وبالرغم من هذه السیناریوهات السلبیة لکن ارادة الشعب المصری ترتکز على تجاوز العراقیل لتحقیق اهداف الثورة وبناء مجتمع حر.
ان ای اجراء بعید عن الدیمقراطیة من قبل المجلس العسکری وکذلک التدخل الاجنبی سیسفر عنه العودة من جدید الى الفوضى السیاسیة الى المجتمع المتأزم فی مصر، النقطة الاخرى ان 50 ملیون شخص ممن یحق لهم التصویت سیدخلون ساحة الانتخابات فی ظل اجواء حرة وتنافسیة وفی حال فوز التیار الاسلامی فیها لا ینبغی تلقی هذا الامر على انه نهایة الازمة الداخلیة فی مصر وازدهارها على الصعید السیاسی-الاجتماعی والاقتصادی ، لانه نظرا للمشاکل الاقتصادیة فی هذا البلد والبطالة بین جیل شبابه، نجد ان الدول الغربیة والسعودیة وقطر تستغل هذا الموضوع کحربة لجر الحکومة المقبلة نحو طریق مغلق، فی هذا المسار نرى ان اکثر ما تخشاه السعودیة هو الاخوان لان نوع الاسلام الذی تدعمه السعودیة وتروج له فی المنطقة والعالم هو الاسلام الوهابی السلفی الذی لا یمت بای صلة للاسلام التوجیهی المعتدل للاخوان. لا شک انه ومع صعود الاخوان فی المنطقة ستواجه المرجعیة الدینیة لآل سعود تحدیات جادة. من هنا لا یمکن نفی احتمال تدخل السعودیة وتأثیرها على المصیر السیاسی للشعب المصری.
30349