یحارب التکفیریون "حزب الله" فی عقر داره عبر عملیات انتحاریة تستهدف البیئة الحاضنة له. هذا ولا یبدو ان خطر هؤلاء الذی ضرب، حتى الآن، فی الضاحیة والهرمل الى تراجع أو انحسار.
واذا کان استهداف التکفیریین ما زال مقتصراً على أماکن وجود الحزب ونفوذه، فإن لبنان برمته مرشح للاستهداف من قبل جماعات تنظیم "القاعدة" وأخواته من "النصرة" و"داعش" و"کتائب عزام".. فالتحذیر من الخطر التکفیری الزاحف الى لبنان، لا یندرج فی سیاق المبالغة أوالتهویل بل هو حکم تفرضه التجربة التکفیریة المستمدة من واقعیات حیة ووقائع مشهودة.
ولعل أخطر ما فی الفعل التکفیری عبثیته فی التخطیط وعدم تمییزه بین الأداة والغایة. فالقتل بما هو وسیلة لدى الآخرین هو عندهم "طقس مقدس"، على خلفیة "اصدع بما أمرت" فی اجراء الحدود الشرعیة وتطبیق القصاص. العبثیة هنا تعنی الاصرار على الفعل الارهابی بمعزل عن نتائجه والتحول الى هدفیة القتل على الطریقة العراقیة والسوریة والأفغانیة. فی العراق، الذی خرجت امیرکا منه، ما زال "المجاهدون" المقاومون للاحتلال یقتلون الناس فی الاسواق والمساجد. أیضا "الثوار" العاملون فی سوریا على اسقاط النظام، بات التقاتل بینهم وقتلهم الناس هما الحدث الطاغی على المشهد. ولا یمنع انشغال مجاهدی "طالبان" فی افغانستان بمواجهة الاحتلال الامیرکی من إقامتهم "الحد" على رجل حلیق اللحیة أو امرأة خرجت من بیتها من دون محرمها.
یتسع الارهاب التکفیری باستهدافاته على طریقة انتشار بقعة الزیت. المعرکة المفتوحة، التی یخوضها التکفیریون، ضد "حزب الله" وبیئته الحاضنة تضع لبنان برمته أمام افق مفتوح ومضاعف من المخاطر. الفعل التکفیری فی بلاد الأرز، لن یتأخر قبل أن یکون له ایقاعه اللبنانی الخاص المنفصل عن ایقاع الأزمة السوریة والمتصل بها، فی آن واحد، هذا مع غض النظر عن مآلات هذه الأزمة. عندها، سیتحول هذا الفعل الى خطر دائم ومقیم على أساس القتل دونما تمییز فی الاستهداف بین "رافضی کافر" أو سنی "فاسق" أو "صلیبی مشرک".
ولعل لیس من المبالغة القول ان "حزب الله"، على المدیین المتوسط والبعید، سیکون أقل المتضررین من تغلغل الجماعات التکفیریة الى الداخل اللبنانی، ذلک ان الحزب بما لدیه من امکانات أمنیة وخبرات سیستطیع الحد من الخطر التکفیری على ناسه وأماکن وجوده. فی المقابل، لا شیء یضمن عدم انکشاف المناطق الاخرى أمام هذه الجماعات رغم ما یمتلکه الجیش من مصداقیة فی مواجهتها وفعالیة فی الحد من مخاطرها.
خصوم الحزب فی لبنان اتخذوا من التواجد التکفیری رافعة لمشروعهم السیاسی الآخذ فی الانحدار. هؤلاء، بادروا فی البدایة الى لعب دور المحامی عن تنظیم "القاعدة" بنفی أن یکون متواجداً فی لبنان. ثم هم أنفسهم الیوم ینظرون بطریقة مضمرة للنشاط التکفیری فی الداخل اللبنانی عبر خلق بیئة تبریریة لهذا الفعل من خلال وضعه فی سیاق ردة الفعل على تدخل "حزب الله" العسکری فی سوریا. وبالتالی، اظهار القتل التکفیری خارج عبثیته وربطه وظیفیا فی اطار الضغط على الحزب لاجباره على الانسحاب من سوریا.
یعلم الجمیع ان الفعل الانتحاری الذی یستهدف جمهور المقاومة لیس سوى فعل کیدی لن یؤدی الى مکاسب أو منجزات یحققها الفاعلون، کما لن یدفع حزب المقاومة الى مراجعة خیاراته فی سوریا أو غیرها. وفی کل الأحوال لن یؤدی ذلک الى الاخلال بالتوازنات القائمة فی لبنان أو الى تغییر مجریات المعرکة فی سوریا.
التکفیر أسوأ من الکفر نفسه. والذین یبررون للفعل التکفیری ممارساته، هم على شفا حفرة من التکفیر.
السفیر