٠ Persons
١٩ أغسطس ٢٠١٢ - ١٤:٤٦

خبرأونلاین-لا شک أن کلفة أنْ تتغاضى ـ على الأقل - دول الخلیج عن النشوء الطبیعی لبیئات تبادل الآراء وتقبل النقد الشعبی وثقافة الحوار بین المواطن والمنظومة الحاکمة، ستکون أقل بکثیر من الکلفة الباهظة سیاسیا واقتصادیا واجتماعیا لوسائل قمع الآراء وتسکیر الأفواه، التی تتفنن فیها بعض الحکومات الخلیجیة، منذ زمن لیس بالقصیر. آن للحکومات الخلیجیة أن تکف عن الإعتقاد أن شعوبها قطعان من الشیاه وهی الراعی لهذه القطعان أو أنها تقنع بالقلیل أو الفتات الذی یلقى إلیها.


 

د. علی الهیل
 
لا شک أن کلفة أنْ تتغاضى ـ على الأقل - دول الخلیج عن النشوء الطبیعی لبیئات تبادل الآراء وتقبل النقد الشعبی وثقافة الحوار بین المواطن والمنظومة الحاکمة، ستکون أقل بکثیر من الکلفة الباهظة سیاسیا واقتصادیا واجتماعیا لوسائل قمع الآراء وتسکیر الأفواه، التی تتفنن فیها بعض الحکومات الخلیجیة، منذ زمن لیس بالقصیر. آن للحکومات الخلیجیة أن تکف عن الإعتقاد أن شعوبها قطعان من الشیاه وهی الراعی لهذه القطعان أو أنها تقنع بالقلیل أو الفتات الذی یلقى إلیها. هذا مفهوم تجاوزه الزمن وأضحى خارج المکان وخارج جاذبیة الأرض المتغیرة عربیا وخلیجیا إلى درجة ما. شعوب الخلیج لم تعد ترى أی تسلیة فی القفزات البهلوانیة فی الهواء، والإطناب الممل عن 'الشفافیة'، و'حقوق الإنسان' و'حریة التعبیر عن الرأی'، والعدالة الإجتماعیة، ونسب النمو الإقتصادی، وتضییق الفجوة الهائلة بین أثریاء الخلیج وفقرائه، وسواها من بروباغندا التضلیل، التی یراد منها کلها السمعة والسمعة فقط. وأما فی الواقع فلا شیء من ذلک کله یکاد یلمسه المواطنون الخلیجیون بالید أو یرونه بالعین أو یشمونه بالأنف، عدا ما تسمعه آذانهم من هرطقات الإعلام وغایتها تکریس الفساد الإداری والمالی، فی وقت بالکاد یمکن أن یظل أی شیء مستتراً.
لا أدری لماذا فی بعض الدول الخلیجیة حیث ینعم الأجانب بالحریة المطلقة على الصُّعد کافة، بینما یقبع عدد من مواطنیها من الذین رفضوا أن یکونوا شیاهً یهش علیهم الراعی بعصاه، خلف القضبان فقط لأنهم قالوا لا لأمور تمس حیاتهم، من غیر أخذ رأیهم فیها تم التعاطی معهم على أنهم مجرد حالات سلبیة متلقیة لیس إلا. المجالس والدیوانیات فی مجتمعات الخلیج لمن لا یعرف هی رئات للتنفس وفضاءات رحبة للآراء والنقد أکثر من وسائل التواصل الإجتماعی 'تویتر' وفیسبوک'، وهی ملاعب الخلیجیین البسطاء منذ عُرف الخلیج. أُطلق علیها أنا شخصیا 'وسائل الإعلام الشعبی'، وتأثیرها أو أهمیتها یفوق بکثیر تأثیر وسائط الإعلام والإتصال والتواصل الآلیة أو الإلکترونیة على الأقل فی الحالة الخلیجیة. ولأن بعض الحکومات وضعت کثیرا من هذه الإعلامات الشعبیة تحت المجهر، نتیجة التطورات الشعبیة الخلیجیة والعربیة الراهنة، فقد لجأ کثیر من قادة الرأی الذین لم یجدوا المتنفس الکافی لآرائهم الناقدة من خلال ما یوصف بالإعلام المستقل الموجه حکومیا بشکل غیر مباشر، ناهیک عن الموجه مباشرة، فقد لجأوا ولجأ غیرهم من عامة الناس المَهْجوسینَ بهاجس الظلم الإجتماعی، والمَجْیوسینَ بالتهمیش والإقصاء والتمییز القبلی أو العنصری (لا فرق)، لا سیما من ذوی الخبرات العالمیة والمؤهلات العلمیة العالیة، والجوائز العالمیة العلمیة المتمیزة، الذین یجدون ثروات بلدانهم وریع أرضهم المبارکة یُبددُ یمیناً وشمالاً، وأجانب (مما هبَّ ودبَّ) یؤتى بهم من کل حدب وصوب، أقل منهم کفاءة وخبرة وعلماً، یتقاضون رواتبهم وامتیازاتهم الملحقة بالراتب بمئات آلاف الدولارات، فی حین لا ینالهم وهم المواطنون حقاًّ من خیرات بلدانهم إلا النزر الیسیر، لجأوا إلى 'تویتر' وفیسبوک'. قطعاً لم ترضَ الحفنة المتحکمة بالقرار أو الراعی أن یشذ القطیع عن المسار المحدد له لدواعی السلامة والأمان أو حسب اللغة الأمنیة المعاصرة خشیة من احتمال ' تهدید الأمن القومی والوطنی' أو 'تعریض الوطن لمخاطر خارجیة'، ومن هذا القبیل، الذی یعی الخلیجیون مرامیه جیداً، فأودعوهم السجون والمعتقلات، بعضهم منذ شهر آذار (مارس) 2012 وحتى کتابة هذه السطور، مما ألب علیهم المنظمات العالمیة ' صحفیون بلا حدود' ومنظمات حقوق أنسان أخرى. والسؤال: من الذی سبب تهدید الأمن القومی والوطنی؟ أولئک الفتیة أم الحکومة التی جعلتها تلک المنظمات تحت رقابتها متهمة الحکومة بتعسفها فی التعامل مع مواطنیها؟
 
' أکادیمی وکاتب قطری

رمز الخبر 182907