لا تزال سوریا مضطربة ولم تسفر المساعی الدولیة الرامیة لاخماد نار الحرب الاهلیة عن نتیجة حتى الان اما المواقف الدبلوماسیة فقد اکتفت باستنکار وتندید العنف. طالب الرئیس الامیرکی باراک اوباما الى جانب بوتین الرئیس الروسی یوم الثلاثاء الماضی خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرین التی عقدت فی لاسوکاباس فی المکسیک، طالبا بوضع حد للعنف فی سوریا وشددا على ضرورة المضی فی انتهاج السبل الدبلوماسیة لانهاء الازمة السوریة. لکن لماذا لا یرافق الازمة السوریة والحرب الاهلیة الطاحلة التی تستعر فیها سوى القاء نظرة من قبل اطراف المنطقة الاقلیمیین والدولیین، قضیة ینبغی البحث عن اسبابها فی النظم والتوازن الاقلیمی الموجود الى جانب تواجد حکومة بشار الاسد على الساحة. وبغرض دراسة وبحث هذا الموضوع اجرى موقع خبراونلاین حوارا مع مهران کامروا، استاذ جامعة جورج تاون فی قطر الیکم تفاصیله:
ان التطورات على ساحة العالم العربی وما اعقبها، فی ظهور تناقض بین مصالح لاعبی المنطقة، اسهم فی ایجاد جبهتین فی منطقة الشرق الاوسط یقف فی احداها السعودیة، ترکیا وقطر وفی المقابل جبهة تصطف فیها ایران، العراق وسوریا. ترى ما هی تکلفة فرص کل من اطراف هاتین الجبهتین؟ والى متى سیظل هذا الاصطفاف مستمرا؟
اعتقد ان تشکیل الجبهات وبعبارة اخرى ترتیب القوى فی الشرق الاوسط آخذ بالتغییر. لکننی لست متأکدا بانه حسب هذا الوصف الذی طرحتموه آنفا. برأیی ان ترتیب القوى یتغیر بسرعة کبیرة بحیث من الصعب تبیین تعارض المصالح فیما بینها. اعتقد انه من السابق لآوانه وضع السعودیة، ترکیا وقطر فی جبهة واحدة وفی المقابل وضع سوریا، وایران والعراق فی جبهة اخرى. وبغرض تفسیر القضیة بشکل دقیق ینبغی الاخذ بعین الاعتبار دور الاطراف الخارجیة مثل روسیا، الامم المتحدة، الاتحاد الاوروبی، الولایات المتحدة وتغییر مواقفها بالاضافة الى الاطراف التی لم تتخذ موقفا واضحا ومحددا حتى الان. خاصة ان الاوضاع فی مصر لا تزال متدهورة ولم تتخذ حتى الیوم موقفا واضحا ازاء التطورات الدولیة. کما ینبغی الالتفات هنا الى قضیة تشکیل جبهة بمشارکة السعودیة، ترکیا وقطر التی تؤکدون علیها هنا ، بینما هناک منافسة محتدمة بین هذه الاطراف على الصعید السیاسی والاقتصادی. لذلک اعتقد انه وخلال الفترة الراهنة ینبغی النظر الى هذه القضیة التی هی تمثل بالاصطفاف الاقلیمی وتشکیل الجبهات وما تسوده الیوم من حالة من التغییر والتحول. هذه الحالة العائمة فی المنطقة تسعى من خلال ادخال بلدان المنطقة وکافة الاطراف الخارجیة الى اضفاء شکل جدید على التحالف والترتیب القائم فیها. لکن الى متى سیستمر هذا الترتیب وماهی تکالیف وفرص کل من هذه الاطراف فی هذه التحالفات؟ یبدو ان التعلیق على هذه المسألة مبکر وبحاجة لمرور فترة من الزمن.
وما هو تقییمکم لمواقف القوى الاقلیمیة والخارجیة ازاء الازمة السوریة؟
ان شیوخ منطقة الخلیج المحافظین خاصة قطر والسعودیة یعتقدون بضرورة رحیل بشار الاسد. واعتقد ان قرارهم هذا جاء استنادا لحسابات منشأها فی المرحلة الاولى هو السعی للسیطرة على مسار التطورات فی فترة "ما بعد الاسد" فی سوریا وامکانیات الاستثمار فی هذا البلد مستقبلیا. هذه الامور تعتبر من اهم اسباب تدخل قطر فی لیبیا سابقا وفی سوریا الیوم. لکن نرى الان فیما یخص سوریا ان السعودیة لا ترغب فی التخلف عن الرکب ونجدها لذلک تتدخل فی الشأن السوری الى جانب قطر. کلا البلدین یسعى من خلال التدخل فی هذا البلد الى کسب فرصة ومکانة زعامة تطورات العالم العربی خاصة ان العراق ومصر فی الوقت الراهن وبسبب المشاکل والتحدیات الداخلیة یقفان خارج هذه المعادلة. من جهة نجد ان الازمة السوریة تقع الیوم فی صلب اهتمام الاتحاد الاوروبی والولایات المتحدة وذلک بسبب انهم قلقون بان تسفر زعزعة الاستقرار فی سوریا الى الاضرار بمصالحهم فی المنطقة (بما فی ذلک تیار النفط وموقع اسرائیل) وایجاد تهدید لذلک. من هنا نراهم یفضلون رحیل بشار الاسد عن السلطة والمجئ بحکومة ضعیفة لا تمثل تهدیدا لاسرائیل. لا شک ان سوریا لطالما کانت حلیف ایران ولا زالت وان ایران لا ترغب باسقاط الاسد. وفی الحقیقة تمثل هذه القضیة نقطة الخلاف بیننا وبین الاطراف الاقلیمیة والخارجیة.
من هذا المنطلق وفی حال سقوط بشار الاسد ، ترى کیف ستکون اوضاع اسرائیل؟
هذه القضیة تعتمد على عدة عوامل مختلفة والتی من المقرر ان تطوی مسار ایجاد التغییر والتحول فی سوریا (بما فی ذلک رحیل بشار الاسد وعملیة خلافته). فی الوقت الراهن خرجت الحرب الاهلیة فی سوریا عن السیطرة بصورة معقدة ما جعل التنبؤ بالمستقبل امر صعب. فالامم المتحدة تلقی اللوم على کلا الجانبین لذا لا یمکن التنبؤ بالاسابیع والاشهر المقبلة. فی حال تغلب الاسد على الازمة فلن یکون هناک تغییر هام یطرأ، لکن حکومته ستکون ضعیفة ومن الممکن لن یکون باستطاعة سوریا حینها المناورة امام امیرکا واسرائیل لاستعادة مرتفعات الجولان . لکن فی حال سقوط بشار الاسد وتشکیل حکومة بمشارکة الاخوان المسلمین فی سوریا، فمن الممکن ان تتخذ الحکومة الجدیدة مواقف اکثر حدة ازاء اسرائیل ومن الممکن حینها طرح مطالبات اکثر على صعید العلاقة مع الکیان الاسرئیلی بالرغم من انه ومن الناحیة العسکریة ستکون فی موقع ومکانة اضعف لا یمکن من خلالها المناورة بشکل کبیر.
وکیف سیکون موقف سوریا والحکومة المستقبلیة فی هذا البلد ازاء فلسطین؟
برأیی ان الحکومة المقبلة فی سوریا سیکون لها مواقف صدیقة ازاء حماس. فی الوقت الراهن ومن خلال القاء نظرة على تطورات الاوضاع فی مصر نرى ان اسرائیل تعتبر الیوم من اکبر خاسری الربیع العربی. لذا ونظرا للتطورات الراهنة فی سوریا یمکن القول ان اوضاع اسرائیل فی الشرق الاوسط سوف تتدهور.
الا تعتبرون اقتدار الاسلامیین فی الشرق الاوسط بمثابة تهدید للکیان الصهیونی؟
لقد اجبت على هذا السؤال آنفا. فی مجمل الامور نرى ان الاسلامیین لهم نظرة ومواقف حادة ازاء اسرائیل وفی واقع الامر ان امساکهم بزمام السلطة فی المنطقة لا یعتبر امرا محبذا من قبل اسرائیل. من جهة تعتبر اسرائیل الخاسر جراء التطورات الاخیرة فی الشرق الاوسط والعالم العربی. لکن التنبؤ حول نتائج هذه القضیة وتداعیاتها على الصعید الداخلی فی اسرائیل، سیاساتها وکیفیة تعاطیها مع الفلسطینیین هو امر سابق لآوانه ولا یمکن التکهن به حالیا.
اذا ما کنتم تعتبرون هذه القضیة تهدیدا لاسرائیل، من هذا المنطلق کیف یا ترى ستکون مسیرة التسویة فی المنطقة؟
اعتقد ، ان موقع اسرائیل فی مسیرة التسویة یتأثر الى حد کبیر ویخضع لهیمنة السیاسة الداخلیة لاسرائیل اکثر مقارنة بعملیة التطورات خارج حدود الکیان. ولا شک ان لتطورات الاوضاع فی سوریا ومصر تاثیر على سیاسة اسرائیل خاصة فی مجال سیاسات هذا الکیان وتعاملاته على ساحة العلاقات الدولیة وایضا سیؤثرذلک على علاقاته مع الفلسطینیین. فی الوقت الراهن یتزعم حکومة محافظی اللیکود نتنیاهو الذی لا یألو ای جهد بصدد الاخلال وخرق مسار عملیة التسویة والمفاوضات. اما حزب کادیما بزعامة شاؤول موفاز فیقول ان استئناف المفاوضات مع الفلسطینیین مهم لاسرائیل وهو یعکف على متابعة هذه العملیة ویحملها محمل الجد. وفی مجمل الامر عندما یتداول الحدیث عن قضیة عملیة التسویة، ینبغی الاخذ بعین الاعتبار حقیقة وهی ان هذه القضیة لها صلة وثیقة بسیاسة واوضاع اسرائیل الداخلیة وتعتمد على ذلک اکثر من اعتمادها على من سیتولى زمام السلطة خارج حدود الکیان.
30449