یبدو ان النظام السعودی قد اصیب بحالة تشنج شلت قدرته على تحدید عدوه الحقیقی فراح یسجن ویمنع من السفر ویعتقل النساء والرجال ویصوب الرصاص على المتظاهرین فی محاولة بائسة لاحکام قبضته على المجتمع وتطبیع حالة ذعر وخوف کردع ای حراک سلمی ومطالبة بالحقوق وهو الیوم یضرب بید من حدید یمینا ویسارا فسجونه لم تعد حکرا على شریحة معینة وفیها من السلفی والحقوقی والنساء المعتقلات ما یدل على اتساع عریضة القمع التی تطال الجمیع باختلاف توجهاتهم الفکریة والسیاسیة والمذهبیة وعند ابواب وزاراته تحتشد جموع البطالة بحق العمل تأتی من کل صوب لتضغط بشکل سلمی من اجل وظیفة یعجز النظام على توفیرها من معلمة الى خریج معهد صحی یفتقد هؤلاء الى ابسط الحقوق ولا یجد النظام حلا الا بالمزید من الحصار على الناشطین فی الداخل کان آخر فصولها منع محمد سعید الطیب من السفر الى القاهرة لحضور زفاف ابنته وقبلها منع الشیخ سلمان العودة من الذهاب الى مصر وکلا الشخصیتین لم یعرف عنهما الا الولاء للنظام رغم بعض المطالب الاصلاحیة تحت مظلة النظام ذاته.
یرد النظام علىای حراک شعبی باصدار لوائح المطلوبین التی تحیک خیوطها وزارة الداخلیة وفی مجملها تعکس آحادیة الفکر السعودی الرسمی الذی قرر ان عدوه خارجی تسانده ایران لتثیر الفتنة وتقوض الامن والامان ویستغل النظام التفکک المناطقی والطائفیة وانعدام اللحمة الاجتماعیة والاجماع على مطالب اصلاحیة سیاسیة لیمرر سردیاته فی محاولة بائسة لاحتواء تداعیات الربیع العربی وتأجیل وصول ریاحها الى السعودیة.
وقد ظهر تخبط النظام وعشوائیة اتهاماته بوضوح خاصة بعد ان ظهرت ملامح المرحلة الجدیدة بتولی نایف بن عبدالعزیز ولایة العهد بالاضافة الى وزارة الداخلیة فسقط قناع النظام المصلح الذی روج له مع فترة حکم الملک عبدالله منذ عام 2005. الیوم یجد المجتمع السعودی نفسه وجها لوجه مع قیادة مشحونة تحاول تصدیر همومها الداخلیة الى الخارج دون ان تتعاطى بجدیة مع معطیات التغییر الجدیدة على ارض الواقع والحراک الشعبی البسیط اذا ما قارناه مع الدول العربیة الاخرى. فتحول النظام الى نظام غیر قادر على تحدید عدوه الحقیقی ولم یبق له سوى تکرار شعارات فارغة تستجدی الشرعیة الدینیة ففی کل مناسبة وکل خطاب'یردد النظام انه الدولة السلفیة التی تحکم بالشریعة وکأنها بذلک الاصرار تعکس تشکیک البعض فی قربه من السلفیة واهلها. وهو بذلک یتجاوز النقلة النوعیة والتی تقیم الانظمة بانجازها ومدى قدرتها على توفیر احتیاجات مواطنیها واحترام حقوقهم بدلا من شعارات فارغة لا تنفع الیوم حتى للاستهلاک الاعلامی. فالشعار لم یعد یوفر الامن المطلوب للمجتمع بل تحول الى ذریعة یتم تحت جناحها انتهاک حقوق الانسان بالسجن التعسفی والمنع من السفر ویتجاوز ذلک فی بعض مناطق المملکة الى اطلاق الرصاص على المتظاهرین وتحت شعار الدولة السلفیة یجد الکثیر من السلفیین انفسهم خلف قضبان النظام وربما یتقاسمون الزنزانات مع اضدادهم الذین لا یشارکونهم قناعاتهم السیاسیة تماما کما حدث للناشط علی الدمینی عندما شارکه تجربة السجن من یقف على منصة فکریة تختلف عنه تماما وهذا ما وثقه فی مذکراته التی نشرت منذ اعوام. وفی ذلک دخلت السعودیة مرحلة اشبه ما تکون بتلک التی تطورت فی مصر تحت نظام السادات ومبارک والتی عاشها الاکادیمی سعد الدین ابراهیم حیث فی سجنه تعرف على طیف کبیر من الاسلامیین. وان دلت تجربة هؤلاء على شیء فهی تدل على ان انظمة القمع تصاب بطیش مماثل رغم اختلاف تجاربها واسالیبها الا انها تلجأ الى القمع العشوائی خاصة ساعة قرب احتضارها وتلاشی قدرتها على استیعاب الاستیاء الشعبی والذی یأتی من کل صوب ومن کل الاطیاف الفکریة والسیاسیة.
ویتوقع النظام السعودی ردودا نمطیة من المجتمع فان هو سجن السلفی یستجدی من یقف على المنصة المقابلة ان یقتنع بانه ارهابی وان سجن اللیبرالی یتوقع من السلفی ان یفرح بسجن تغریبی مفسد للاخلاق والفضیلة وان قتل شیعیا یفرح الآخر السنی بجریمة تخلصه من الرافضی الصفوی ولکن هذه الصورة النمطیة وان کان لها دعاتها ومروجوها بدأت تدریجیا بالتلاشی والتآکل وهذا ما یخیف النظام السعودی حیث نلاحظ تبلور خطاب جدید حقوقی یتجاوز تصنیفات النظام الفئویة الهدامة للوحدة الوطنیة وان خلت الصحافة الرسمیة من هذا الخطاب الجدید وظلت تردد فکر المؤامرة ومصطلحات الخلایا السریة الارهابیة المرتبطة بالخارج الا ان الفضاء الافتراضی وشبکات التواصل الاجتماعی بدأت تحتضن اطروحات تبتعد عن مفاهیم قدیمة هدفها تقسیم المجتمع وابتعاده عن الوحدة الحقیقیة مما اضطر النظام'ودعاته لبث السموم القدیمة فی حنایا العوالم الافتراضیة لاهمیتها وقدرتها على تفکیک مصطلحات النظام وسردیاته. فانتقلت المعرکة بین الدعایة النظامیة وردود الفعل الشعبیة الى مساحات جدیدة سیکون لها اثر کبیر على تطویر وعی جدید یرفض التقسیمات القدیمة ومصطلحاتها. ومن اهم مظاهر هذا الوعی الجدید بیان اصدرته مجموعة من الناشطین والحقوقیین على خلفیة اعتقالات جدة واحداث القطیف ادانت بشکل واضح وصریح الانتهاکات المستمرة والقمع وربطت بین الحالتین بطریقة لم یکن النظام یتوقعها وربما تکون هذه البادرة سببا جوهریا فی قضیة محمد سعید الطیب ومنعه من السفر حیث انه من الموقعین البارزین على هذا البیان.
وبینما نجد ان هذا الوعی یتشکل ویتطور رغم الصعوبات والعثرات یظل النظام یحاول جاهدا ان یصرف الحراک والحوار عن قضایا جوهریة ویزج به فی امرین لا ثالث لهما. اولا الخطر الایرانی وثانیا القضایا المتعلقة بالمرأة حیث یضمن بذلک تسطیح القضایا السیاسیة العالقة فی الداخل. یبدو تصویر الخطر الایرانی وتعظیمه دلیلا على اهمیة افتراضیة العدو الخارجی الذی یؤجل فتح القضایا الداخلیة وملفاتها دون ان یحسم المعرکة لصالح النظام رغم کل الاصوات المتعالیة وصفقات الاسلحة والطائرات فمزید من التسلح وصرف الملایین علیه قد لا یکون الخیار الصائب لحظة بدء المعرکة الحقیقیة ذات العواقب غیر المعلومة. اما قضیة المرأة فهی القضیة الاکثر سخونة وهی قادرة على تشتیت فکر الکثیرین المهووسین بها دون غیرها من القضایا حیث تسقط کل الملفات والقضایا وینشغل بها طیف یعارض وأخر یناصر حتى استهلکت جمیع مصطلحات الادانة والشجب والرفض.
کان آخر هذه الفرقعات الحدث التاریخی الذی وصف کذلک وهو ما سمی 'تأنیث محلات بیع الملابس الداخلیة النسائیة' رغم معارضة المفتی لمثل هذا الاجراء والحدث الآخر وصف بانه خزی وعار التصق بمؤتمر للمثقفین فی قاعة فندق من فنادق الریاض حین لمح احد الصحافیین المتواجدین شعر إمرأة!. عملیة تسطیح الملفات السعودیة الداخلیة لا تخدم سوى محاولات الهاء المجتمع اما بعدو خارجی او قضیة شعر أمرأة لا یخدم الا مصلحة النظام الطائش الذی یصدر طیشه الى المجتمع لصرفه عن المطالبة بحقوق سیاسیة عالقة.
لا یواجه النظام السعودیة اشرس من عدو واحد وهو تجاهل استحقاقات سیاسیة واصلاحات حقیقیة تنقل النظام الى مرحلة جدیدة تتناغم مع طموحات الکثیرین. وکلما تجاهل النظام هذا الملف کلما حفر قبره بیده فالمملکة وشعبها لا یعیشون فی عالم آخر منعزل عن محیطه العربی والعالم وطموحات المجتمع لا تختلف عن طموحات غیره فی تحقیق الامن الحقیقی الذی یضمن الحریات المسلم بها والحقوق المعترف بها عالمیا. ولا یمکن للنظام ان یستمر فی ممارسة السلطة بمعزل عن المشارکة السیاسیة والمراقبة القضائیة المستقلة وان لم یفتح ملف المعتقلین السیاسیین ویتعاطى مع حقوقهم المسلوبة فسیظل هذا الملف ساخنا قد ینفجر ای لحظة مثله مثل ملف البطالة التی تهدر طاقات جیل جدید من الشباب والشابات وتنذر بآفات اجتماعیة لن یسلم منها المجتمع لسنوات بعیدة. وبدلا من ان یدشن ولی العهد الجدید حکمه بمبادرة حسن النوایا نجده یتماهى فی استمراریة الاسالیب القدیمة والتی لم تسلم منها حتى النساء فی ظاهرة تنذر بمستقبل اسود ستقدم علیه السعودیة نظاما وادارة. وان اقترنت بدایة العهود السعودیة سابقا بمکارم ملکیة تؤدی الى الافراج عن الابریاء فی السجون الا ان هذا قد انعدم الیوم بل ان السجناء یجدون انفسهم فی الزنزانات حتى بعد مماتهم اذا اخذنا بعین الاعتبار مدة الاحکام بحق بعض المسنین تماما کما حصل لمجموعة اصلاحیی جدة. ان استجابة النظام السعودی لبعض هذه المطالب قد یعتبر من المستحیل حیث انه اثبت تشنجا وعدم تجاوب مع الاصلاح السیاسی وطیشا ربما تحت تأثیر الطفرة الحالیة لکن هذه الاخیرة اثبتت عدم قدرتها على اخماد الاصوات الاصلاحیة رغم بریقها ونأمل ان لا تهدر هذه الثروة ویبقى الطیش.
' کاتبة واکادیمیة من الجزیرة العربیة