٠ Persons
٢٩ أبريل ٢٠١٣ - ١٥:٣٥

حذر قائد الثورة الاسلامیة ایة الله خامنئی من المخاطر التی تهدد الصحوة الاسلامیة وفی مقدمتها الخلافات الطائفیة والمذهبیة والقومیة التی تعمل أجهزة الاستخبارات الغربیة والصهیونیة على تأجیجها فی منطقة تمتد من شرق آسیا حتى شمال أفریقیا وخاصة فی المنطقة العربیة بدعم من دولارات النفط والساسة المأجورین.

وشدد قائد الثورة فی کلمته الیوم الاثنین بالمؤتمر الدولی لعلماء الدین والصحوة الاسلامیة الذی بدا اعماله بالعاصمة طهران على ان الصحوة الاسلامیة تشکل أولویة للعالم الإسلامی وللعالم قاطبة مضیفا ان ما نشهده الیوم هو خروج الإسلام من الهامش واضطلاعه بدور فی المعادلات وهذا هو سبب انزعاج الرجعیین والمستکبرین والتنصل عن الاشارة الى مصطلح الصحوة الإسلامیة فی خطاباتهم .
واشار إلى أن الأمة الإسلامیة کانت لأکثر من مئتی عام تحت هیمنة القوى المتغطرسة مؤکدا أن الصبر والبصیرة هما مقدمة الفتح وأن تجربة الثورة الإسلامیة فی إیران باتت فی متناول شعوب العالم.
واوضح آیة الله خامنئی أن الشرارة الأولى للصحوة الإسلامیة انطلقت عندما بدأ الاستعمار باحتلال البلدان الإسلامیة؛ مبیناً أن الکثیر من أسماء علماء الدین اللامعة کالإمام الخمینی(ره) سطروا ملاحم فی مواجهة الاستعمار؛ وإن الآلاف من علماء الدین کان لهم دور کبیر فی اصلاح مجتمعاتهم .
وشدد القائد على أن الصحوة الإسلامیة تحظى بدعم الأمة وتزعج الأعداء لکونها ستقف بوجه غطرسته وقال ان الاهداف السامیة للصحوة الاسلامیة والخطط طویلة الامد ستضئ طریق الامة الاسلامیة وان الحضارة الاسلامیة یجب ان تکون قائمة على العدالة .
وراى القائد ان أبعاد الصحوة الإسلامیة ممتدة لأکثر من صعید ومکان  معربا عن اعتقاده بانها ستکون بدایة لمعجزات .
ولفت الى انه من الخطورة بمکان أن یرکن العلماء لملذات الدنیا وأن تفقد الأمة الثقة بهم محذراً من أن القوى الدولیة تشیر إلى مرجعیات غیر موثوقة وعلى علماء الدین الحذر من هذه المخططات.
واکد آیة الله خامنئی على ان باستطاعة العالم الاسلامی ان یکسر احتکار قوى الغطرسة منوها الى ان ترجمة الاهداف السامیة فی المجتمع الاسلامی تتطلب توظیف تعالیم القرآن الکریم ونبذ المظاهر السلبیة الغربیة .
وفی جانب اخر من کلمته شدد قائد الثورة على ضرورة استخلاص العبر من دروس الماضی منوها الى محاولات الغرب الرامیة لتشویه صورة الدین الاسلامی وقال : ان الذین اعتمدوا على أمیرکا فشلوا فی حل أدنى مشکلة من مشاکلهم والخلافات هی إحدى الاخطار التی تهدد الصحوة الاسلامیة التی خسرها البعض من خلال التبعیة لامیرکا .
واضاف : إن "أصابع الأعداء واضحة فی کل ما یحدث بمنطقتنا" محذراً من أن الأیادی الغادرة للغرب تحاول الاستفادة من الفرقة والضعف فی بعض المجتمعات الاسلامیة وهو ما یفرض على علماء الدین أن یتحملوا مسؤولیاتهم وأن یتعرفوا على مخططات الأعداء.
ولفت القائد إلى أن الذین یسعون إلى إثارة الخلافات بین الأمة الاسلامیة إنما یخشون وحدتها؛ منوهاً إلى أن الغفلة تتیح للغرب الفرصة لبث الفرقة والإبقاء على هیمنته على منطقتنا.
کما صرح السید علی خامنئی أن الأمة الإسلامیة لم تواجه کارثة ککارثة فلسطین؛ وقال: إن الأمة تعیش کل یوم فاجعة احتلال فلسطین والجرائم التی ترتکب ضد الشعب الفلسطینی ، مشدداً على ضرورة الوقوف والتصدی للعدو الصهیونی .
وفی جانب آخر من حدیثه بین القائد أن الشعب الذی یتحرک ویثق بقادته شعب یسیر فی الاتجاه الصحیح؛ وإن کل من یرفض شعار التحریر واستعادة الحقوق هو متهم ویقف إلى صف الأعداء .
کما تطرق قائد الثورة الاسلامیة الى الملف البحرینی وقال أن السلطات البحرینیة الایحاء بان التحرک الشعبی هو تحرک طائفی ؛ مؤکداً أن هناک أکثریة شیعیة مظلومة فی البحرین حرمت من حقها فی تقریر المصیر .
وفی الشأن السوری أوضح آیة الله خامنئی أن النزاع فی سوریا لم یکن شیعیاً وسنیاً، ولکن الغرب کتب هذا السیناریو للاستفادة منه.

وفیما یلی نص کلمة قائد الثورة الاسلامیة فی المؤتمر :

 بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على سیدنا محمد المصطفى وآله الأطیبین وصحبه المنتجبین ومن تبعهم بإحسان إلى یوم الدین.
أرحب بکم أیها الضیوف الأعزاء، وأسأل الله العزیز الرحیم أن یبارک فی هذا الجهد الجماعی، وأن یجعله شوطاً فاعلاً على طریق حیاة أفضل للمسلمین إنه سمیع مجیب.

الصحوة الاسلامیة تشکل أولویة للعالم الإسلامی
موضوع الصحوة الإسلامیة الذی ستتناولونه فی هذا المؤتمر هو الیوم فی رأس قائمة قضایا العالم الإسلامی والأمة الإسلامیة.. إنه ظاهرة عظیمة لو بقیت سلیمة وتواصلت بإذن الله لاستطاعت أن تقیم الحضارة الإسلامیة فی أفق لیس ببعید للعالم الإسلامی ومن ثَمّ للبشریة جمعاء.
إنّ البارز أمام أعیننا الیوم، ولا یستطیع أی إنسان مطّلع وذی بصیرة أن ینکره هو أن الإسلام الیوم قد خرج من هامش المعادلات الاجتماعیة والسیاسیة فی العالم، واتخذ مکانة بارزة وماثلة فی مرکز العناصر الفاعلة لحوادث العالم، لیقدم رؤیة جدیدة على ساحة الحیاة والسیاسة والحکم والتطورات الاجتماعیة. ویشکل ذلک، فی عالمنا المعاصر الذی یعانی بعد هزیمة الشیوعیة واللیبرالیة من فراغ فکری ونظری عمیق، ظاهرةً ذات مغزى وأهمیة بالغة.

الصحوة الإسلامیة ستکون بدایة لمعجزات
وهذا أول أثر ترکته الحوادث السیاسیة والثوریة فی شمال أفریقیا والمنطقة العربیة على الصعید العالمی، و یبشّر بدوره ببروز حقائق أکبر فی المستقبل.
إنّ الصحوة الإسلامیة التی یتجنب ذکرها المتحدثون باسم جبهة الاستکبار والرجعیة ، بل یخافون أن یجری اسمها على ألسنتهم، هی حقیقة نرى معالمها الیوم فی أرجاء العالم الإسلامی کافة. وأبرز معالمها تطلع الرأی العام وخاصة فئة الشباب إلى إحیاء مجد الإسلام وعظمته، ووعیهم لحقیقة نظام الهیمنة العالمیة، وانکشاف الوجه الخبیث والظالم والمستکبر لحکومات ودوائر نشبت أظفارها الدامیة لأکثر من قرنین فی المشرق الإسلامی وغیر الإسلامی، وجعلت مقدرات الشعوب عرضة لنزعتها الشرسة والعدوانیة نحو الهیمنة، وذلک بنقاب المدنیة والحضارة.

الصحوة الاسلامیة واسعة وذات امتداد رمزی

أبعاد هذه الصحوة المبارکة واسعة غایة السعة وذات امتداد رمزی، ولکن ما حققته من حاضر العطاء فی بعض بلدان شمال أفریقیا من شأنه أن یجعل القلوب واثقة بمعطیات مستقبلیة کبرى وهائلة. إن تحقق معاجز الوعود الإلهیة یحمل دائماً معه دلالات أمل تبشّر بتحقق وعود أکبر. وما یحکیه القرآن الکریم عن الوعدین الالهیین لأم موسى هو نموذج من هذه السنة الربانیة. إذ فی تلک اللحظات العسیرة، حیث صدر الأمر بإلقاء الصندوق حامل الرضیع فی الیمّ، جاء الخطاب الإلهی بالوعد:(إِنَّا رَادُّوهُ إِلَیْکِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِینَ) إن تحقق الوعد الأول، وهو الوعد الاصغر الذی شد على قلب الأم، أصبح منطلقًا لتحقق وعد الرسالة، وهو أکبر بکثیر، ویستلزم طبعًا تحمل المشاق والمجاهدة والصبر الطویل:(فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ کَیْ تَقَرَّ عَیْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ...) هذا الوعد الحقّ هو تلک الرسالة الکبرى التی تحققت بعد سنین وغیّرت مسیرة التاریخ.
ومن النماذج الاخرى التذکیر بالقدرة الالهیة الفائقة فی قمع المهاجمین للکعبة، والذی ورد فی القرآن بلسان الرسول الآعظم (ألم یجعل کیدهم فی تضلیل) وذلک لتشجیع المخاطبین لامتثالهم الأمر الالهی: (فلیعبدوا رب هذا البیت).
وفی موضع آخر یذکّر سبحانه رسوله بما أغدقه علیه من نعم تشبه المعجزة: (أَلَمْ یَجِدْکَ یَتِیمًا فَآوَى، وَوَجَدَکَ ضَالًّا فَهَدَى) لیکون ذلک وسیلة لتقویة معنویات نبیّه الحبیب وإیمانه بالوعد الإلهی فی قوله:(مَا وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَمَا قَلَى) ومثل هذه الأمثلة کثیرة فی القرآن الکریم.
حین انتصر الإسلام فی إیران، واستطاع أن یفتح قلعة أمریکا والصهیونیة فی أحد أکثر البلدان حساسیة من هذه المنطقة المهمة بامتیاز، عَلِم أهل العبرة والحکمة أنهم إذا انتهجوا الصبر والبصیرة فإن فتوحات أخرى ستتوالى، وتوالت.
الحقائق الساطعة فی الجمهوریة الإسلامیة والتی یعترف بها الأعداء قد تحققت بأجمعها فی ظل الثقة بالوعد الإلهی والصبر والمقاومة والاستمداد من ربّ العالمین. شعبنا کان یرفع دائمًا صوته بالقول:(کَلَّا إِنَّ مَعِیَ رَبِّی سَیَهْدِینِ) أمام وسوسة الضعفاء الذین کانوا یرددون فی الفترات الحرجة:(إِنَّا لَمُدْرَکُونَ) .
هذه التجربة الغالیة هی الیوم فی متناول الشعوب التی نهضت بوجه الاستکبار والاستبداد، واستطاعت أن تسقط أو تزلزل عروش الحکومات الفاسدة الخاضعة والتابعة لأمریکا. الثبات والصبر والبصیرة والثقة بالوعد الإلهی فی قوله سبحانه: (وَلَیَنصُرَنَّ اللهُ مَن یَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ) بإمکانها أن تمهّد طریق العزّ هذا أمام الأمة الإسلامیة حتى تصل إلى قمة الحضارة الإسلامیة.

علماء الدین کانوا دوما سندا روحیا قویا للجماهیر الثائرة
إننی فی هذا الاجتماع الهام لعلماء الأمة بمختلف أقطارهم ومذاهبهم أرى من المناسب أن أبین عدة نقاط ضروریة حول قضایا الصحوة الإسلامیة:
الأولى:‌ إن الأمواج الأولى للصحوة فی بلدان هذه المنطقة، والتی اقترنت ببدایات دخول الغزو الاستعماری، قد انطلقت غالباً على ید علماء الدین والمصلحین الدینیین. لقد خلدت صفحات التاریخ وللأبد أسماء قادة وشخصیات بارزة من أمثال السید جمال الدین الأسدآبادی ومحمد عبده والمیرزا الشیرازی والآخوند الخراسانی ومحمود الحسن ومحمد علی والشیخ فضل الله النوری والحاج آقا نور الله وأبی الأعلى المودودی وعشرات من کبار علماء الدین المعروفین والمجاهدین والمتنفذین من إیران ومصر والهند والعراق . و یبرز فی عصرنا الراهن اسم الإمام الخمینی العظیم مثل کوکب ساطع على جبین الثورة الإسلامیة فی إیران . وکان لمئات العلماء المعروفین وآلاف العلماء غیر المعروفین فی الحاضر والماضی دور فی المشاریع الإصلاحیة الکبیرة والصغیرة على ساحة مختلف البلدان. وقائمة المصلحین الدینیین من غیر علماء الدین کحسن البنا وإقبال اللاهوری هی طویلة أیضاً وتثیر الإعجاب.
وکانت المرجعیّة الفکریّة لعلماء الدین ورجال الفکر الدینی بدرجة وأخرى، وفی کل مکان. إنهم کانوا سنداً روحیاً قویاً للجماهیر، وحیثما قامت قیامة التحولات الکبرى ظهروا فی دور المرشد والهادی، وتقدموا لمواجهة الخطر فی مقدمة صفوف الحراک الشعبی، وازداد الارتباط الفکری بینهم وبین الناس ، وازداد معه تأثیرهم فی دفع الناس نحو الطریق الصحیح. وهذا له من الفائدة والبرکة لنهضة الصحوة الإسلامیة بمقدار ما یجرّ على أعداء الأمة والحاقدین على الإسلام والمعارضین لسیادة القیم الإسلامیة من انزعاج وامتعاض ما یدفعهم إلى محاولة إلغاء هذه المرجعیة الفکریة للمؤسسات الدینیة واستحداث أقطاب جدیدة عرفوا بالتجربة أنها یمکن المساومة معها بسهولة على حساب المبادئ والقیم الدینیة. وهذا ما لا یحدث إطلاقاً مع العلماء الأتقیاء ورجال الدین الملتزمین.

على علماء الدین معرفة اسالیب العدو الخادعة وحیله واحباط مکائده
إن هذا یضاعف ثقل مسؤولیة علماء الدین. فعلیهم أن یسدّوا الطریق أمام الاختراق بفطنة ودقة متناهیة وبمعرفة أسالیب العدوّ الخادعة وحیله ، وأن یحبطوا مکائده. إن الانشداد بالموائد الملونة بمتاع الدنیا من أکبر الآفات. والتلوث بهبات أصحاب المال والسلطة وعطایاهم، والارتباط المادی بطواغیت الشهوة والقوة من أخطر عوامل الانفصال عن الناس والتفریط بثقتهم ومحبتهم. الأنانیة وحبّ الجاه الذی یجرّ الضعفاء إلى أقطاب القوة یشکّلان أرضیة خصبة للتلوث بالفساد والانحراف. لابد أن نضع نصب أعیننا قوله سبحانه:(تِلْکَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ).
إننا الیوم، فی عصر حراک الصحوة الإسلامیة وما تبعثه فی النفوس من أمل، نشاهد أحیانًا مساعی خدم أمریکا والصهیونیة لاصطناع مرجعیات فکریة مشبوهة ‌من ناحیة، ومساعی الغارقین فی المال ومستنقع الشهوات لجرّ أهل الدین والتقوى إلى موائدهم المسمومة الملوثة‌ من ناحیة أخرى. فعلى علماء الدین والرجال المتدینین والمحافظین على الدین أن یراقبوا هذه الأمور بشدة ودقّة.

ضرورة رسم اهداف بعیدة المدى للصحوة الإسلامیة
المسألة الثانیة، ضرورة رسم هدف بعید المدى للصحوة الإسلامیة فی البلدان المسلمة یوضع أمام الجماهیر لیکون البوصلة فی حرکتها للوصول الیه. وبمعرفة هذا الهدف یمکن رسم خریطة الطریق وتحدید الأهداف القریبة والمتوسطة. هذا الهدف النهائی لا یمکن أن یکون أقل من إقامة «الحضارة الإسلامیة المجیدة». الأمة الإسلامیة، بکل أجزائها فی إطار الشعوب والبلدان، یجب أن تعتلی مکانتها الحضاریة التی یدعو إلیها القرآن الکریم . إن من الخصائص الأصلیة والعامة لهذه الحضارة استثمار أبناء البشر لجمیع ما أودعه الله فی عالم الطبیعة وفی وجودهم من مواهب وطاقات مادیة ومعنویة لتحقیق سعادتهم وسموّهم. و یمکن ، بل وینبغی مشاهدة مظاهر هذه الحضارة فی إقامة حکومة شعبیة ،وفی قوانین مستلهمة من القرآن، وفی الاجتهاد وتلبیة الاحتیاجات المستحدثة للبشر، وفی رفض الجمود الفکری والرجعیة وناهیک عن البدعة والالتقاط،‌ وفی إنتاج الرفاه والثروة العامة، وفی استتباب العدل،‌ وفی التخلص من الاقتصاد القائم على الاستئثار والربا والتکاثر، وفی إشاعة الأخلاق الإنسانیة، وفی الدفاع عن المظلومین فی العالم،‌وفی السعی والعمل والابداع .
ومن مستلزمات هذا البناء الحضاری النظرة الاجتهادیة والعلمیة للساحات المختلفة بدء من العلوم الإنسانیة ونظام التربیة والتعلیم الرسمی، ومروراً بالاقتصاد والنظام المصرفی ، وانتهاء بالانتاج الفنی والتقنی ووسائل الإعلام الحدیثة والفن والسینما بالإضافة إلى العلاقات الدولیة وغیرها من الساحات. وتدل التجربة أن کل ذلک ممکن وفی متناول مجتمعاتنا بطاقاتها المتوفرة .

نبذ التشاؤم والخطوات المتسرعة
لا یجوز أن ننظر إلى هذا الأفق بنظرة متسرعة أو متشائمة.‌ التشاؤم فی تقویم قدراتنا کفران بنعم الله، ‌والغفلة عن الإمداد الإلهی ودعم سنن الکون انزلاق فی ورطة :(الظَّانِّینَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ).
نحن قادرون على أن نکسر حلقات الاحتکارات العلمیة والاقتصادیة والسیاسیة لقوى الهیمنة، وأن نجعل الأمة الإسلامیة سبّاقة لإحقاق حقوق أکثریة شعوب العالم التی هی الیوم مقهورة أمام أقلیة مستکبرة.
الحضارة الإسلامیة بمقوماتها الإیمانیة والعلمیة والأخلاقیة وعبر الجهاد الدائم قادرة أن تقدم للأمة الإسلامیة وللبشریة المشاریع الفکریة المتطورة والأخلاق السامیة، وأن تکون منطلق الخلاص من مظالم الرؤیة المادیة للکون ومن الأخلاق الغارقة فی مستنقع الرذیلة التی تشکل أرکان الحضارة الغربیة القائمة.
المسألة الثالثة :فی اطار حرکات الصحوة الإسلامیة یجب الاهتمام باستمرار بالتجربة المرّة والفظیعة التی ترکتها التبعیة للغرب على السیاسة والأخلاق والسلوک ونمط الحیاة .
البلدان الإسلامیة خلال أکثر من قرن من التبعیة لثقافة الدول المستکبرة وسیاستها قد مُنیت بآفات مهلکة مثل الذیلیة والذلة السیاسیة والفقر الاقتصادی وتهاوی الأخلاق والفضیلة، والتخلف العلمی المخجل، بینما الأمة الإسلامیة تمتلک تاریخاً مشرقاً من التقدم فی جمیع هذه المجالات.

لا نکن العداء للغرب بل للظم والاستکبار والعدوان والفساد والانحطاط الاخلاقی والعلمی
هذا الکلام لا ینبغی اعتباره مناصبة العداء للغرب، نحن لا نکن العداء لأیة مجموعة إنسانیة بسبب تمایزها الجغرافی. نحن تعلمنا من علی علیه السلام ما قاله عن الإنسان أنه: «إما أخ لک فی الدین أو نظیر لک فی الخلق» اعتراضنا إنما هو على الظلم والاستکبار والتحکم والعدوان والفساد والانحطاط الاخلاقی والعملی الذی تمارسه القوى الاستعماریة والاستکباریة ضد شعوبنا. ونحن الآن أیضاً نشاهد تحکّم وتدخل وتعنّت أمریکا وبعض ذیولها فی المنطقة داخل البلدان التی تحوّل فیها نسیم الصحوة إلى نهوض عاصف وإلى ثورة. وعود هؤلاء وتوعداتهم یجب أن لا تؤثر فی قرارات ومبادرات النخب السیاسیة وفی الحرکة الجماهیریة العظیمة.
وهنا أیضاً یجب أن نتلقى الدروس من التجارب. أولئک الذین انشدّت قلوبهم لسنوات طویلة بوعود أمریکا وجعلوا الرکون إلى الظالم أساسًا لنهجهم وسیاستهم لم یستطیعوا أن یحلّوا مشکلة من مشاکل شعبهم أو أن یبعدوا ظلمًا عنهم أو عن غیرهم.‌ بل إن هؤلاء باستسلامهم لأمریکا لم یستطیعوا أن یحولوا دون هدم بیت فلسطینی واحد على الأقل فی إرض هی ملک الفلسطینیین.
الساسة والنخب المخدوعة بالتطمیع أو المرعوبة بتهدید جبهة الاستکبار والذین یخسرون فرصة الصحوة الإسلامیة یجب أن یخشوا ما وجهه الله سبحانه إلیهم من تهدید إذ قال: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ کُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ".

الخلافات هی اکثر ما تهدد الصحوة الاسلامیة
المسألة الرابعة: إن أخطر ما یواجه حرکة الصحوة الاسلامیة الیوم، إثارة الخلافات ودفع هذا الحراک نحو صدامات دمویة طائفیة ومذهبیة وقومیة ومحلیة. هذه المؤامرة تتابع أجهزة الجاسوسیة الغربیة والصهیونیة تنفیذها الیوم بجدٍ واهتمام فی منطقة تمتد من شرق آسیا حتى شمال أفریقیا وخاصة فی المنطقة العربیة بدعم من دولارات النفط والساسة المأجورین. والأموال ‌التی یمکن استخدمها فی تحقیق رفاه خلق الله، تُنفق فی التهدید والتکفیر والاغتیال والتفجیر وإراقة دم المسلمین وإضرام نیران الأحقاد الدفینة. أولئک الذین یرون فی قوة اتحاد المسلمین مانعًا لتطبیق أهدافهم الخبیثة رأوا فی إثارة الخلافات داخل الأمة الإسلامیة أیسر طریق لتنفیذ أهدافهم الشیطانیة، وجعلوا من اختلاف وجهات النظر فی الفقه والکلام والتاریخ والحدیث، وهو اختلاف طبیعی لا یمکن اجتنابه،‌ذریعة للتکفیر وسفک الدماء والفتنة والفساد.
نظرة فاحصة لساحة النزاعات الداخلیة تکشف بوضوح ید العدوّ وراء هذه المآسی.
هذه الید الغادرة تستثمر دون شک الجهل والعصبیة والسطحیة فی مجتمعاتنا، وتصبّ الزیت على النار. مسؤولیة المصلحین والنخب الدینیة والسیاسیة فی هذا الخضمّ ثقیلة جداً. لیبیا بشکل، ومصر وتونس بشکل آخر، وسوریا بشکل ، ‌وباکستان بشکل آخر، والعراق ولبنان بشکل تعانی الیوم أو فی معرض المعاناة من هذه النیران الخطرة. لابدّ من المراقبة الشدیدة والبحث عن العلاج.

من السذاجة أن نعزو جمیع المشاکل الى عوامل ودوافع عقائدیة أو قومیة
إن من السذاجة أن نعزو کل ذلک إلى عوامل ودوافع عقائدیة أو قومیة. الدعایة الغربیة والإعلام الإقلیمی التابع والمأجور یصوّران الحرب المدمّرة فی سوریة بأنها نزاع سنّی ــ شیعی، ویوفران بذلک مساحة آمنة للصهاینة وأعداء المقاومة فی سوریا ولبنان. ‌بینما النزاع فی سوریا لیس بین طرفین سنة وشیعة ، بل بین أنصار المقاومة ضد الصهیونیة ومعارضی هذه المقاومة. لیست حکومة سوریا حکومة شیعیة، ولا المعارضة العلمانیة المعادیة للاسلام مجموعة سنیة.‌ إنما المنفذین لهذا السیناریو المأساوی کانوا بارعین فی قدرتهم على استغلال المشاعر الدینیة للسذج فی هذا الحریق المهلک. ‌نظرة إلى الساحة والفاعلین فیها على المستویات المختلفة توضّح هذه المسألة لکل إنسان منصف.

الصراع بالبحرین لیس شیعیا سنیا بل بین اکثریة مظلومة وحکومة متجبرة
هذه الموجة الإعلامیة تؤدی دورها بشکل آخر فی البحرین لاختلاق الکذب والخداع. فی البحرین هناک أکثریة مظلومة محرومة لسنوات طویلة من حق التصویت وسائر الحقوق الأساسیة للشعب، قد نهضت للمطالبة بحقها. ترى هل یصح أن نعتبر الصراع شیعیا سنیاً لأن هذه الأکثریة المظلومة من الشیعة، والحکومة المتجبرة العلمانیة تتظاهر بالتسنّن ؟! المستعمرون الأوربیون والأمریکیون ومن لفّ لفهم فی المنطقة یریدون طبعًا أن یصوّروا الأمر بهذا الشکل،‌ولکن أهذه هی الحقیقة؟!
هذا ما یستدعی من جمیع علماء الدین المصلحین والمنصفین أن یقفوا تجاهه بتأمل ودقة وشعور بالمسؤولیة، ویحتم علیه أن یعرفوا أهداف العدو فی إثارة الخلافات الطائفیة والقومیة والحزبیة.

لا توجد کارثة فی العالم الاسلامی ککارثة فلسطین
المسألة الخامسة: إن سلامة مسیرة حرکات الصحوة الإسلامیة یجب أن نبحث عنها فیما نبحث فی موقفها تجاه قضیة فلسطین. منذ ستین عامًا حتى الآن لم تنزل على قلب الأمة الإسلامیة کارثة أکبر من اغتصاب فلسطین. مأساة فلسطین منذ الیوم الأول وحتى الآن کانت مزیجاً من القتل والارهاب والهدم والغصب والاساءة إلى المقدسات الإسلامیة. وجوب الصمود والنضال أمام هذا العدو المحارب هو موضع اتفاق جمیع المذاهب الإسلامیة ومحل إجماع کل التیارات الوطنیة الصادقة والسلیمة.
إنّ کل تیار فی البلدان الإسلامیة یتناسى هذا الواجب الدینی والوطنی انصیاعاً للإرادة الأمریکیة المتعنتة أو بمبررات غیر منطقیة یجب ألا یتوقع غیر التشکیک فی وفائه للإسلام وفی صدق ادعاءاته الوطنیة.

کل من یرفض شعار تحریر القدس او یهمش القضیة الفلسطینیة متهم
إنّ هذا هو المحکّ. کل من یرفض شعار تحریر القدس الشریف وإنقاذ الشعب الفلسطینی وأرض فلسطین أو یجعلها مسألة ثانویة ویدیر ظهره لجبهة المقاومة فهو متّهم.
الأمة الإسلامیة یجب أن تضع نصب عینیها هذا المؤشر والمعیار الواضح الأساسی فی کل مکان وزمان.
أیها الضیوف الأعزاء.. أیها الإخوة والأخوات.
لا تبعدوا عن أنظارکم کید العدوّ، فإن غفلتنا توفّر الفرصة للعدوّ.
إنّ درس علی علیه السلام لنا هو أنه: «من نام لم یُنَم عنه». تجربتنا فی الجمهوریة الإسلامیة هی بدورها ملیئة بدروس العبرة فی هذا المجال. إذ بعد انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران ،‌ بدأت الحکومات الغربیة والأمریکیة المستکبرة التی کانت منذ أمد بعید تسیطر على طواغیت إیران وتتحکم فی المصیر السیاسی والاقتصادی والثقافی لبلدنا، وتستهین بالقوة الضخمة للایمان الإسلامی فی داخل المجتمع، وکانت غافلة عن قوة الإسلام والقرآن فی التعبئة والتوجیه ، بدأت تفهم فجأة ما وقعت فیه من غفلة، ‌فتحرکت دوائرها السیادیة وأجهزتها الاستخباریة ومراکز صنع القرار فیها لِتَجبُرَ ما مُنیت به من هزیمة فاحشة .

الثبات والحضور الجماهیری هما اساس احباط مؤامرات الاعداء
رأینا خلال هذه الأعوام الثلاثین وبضع الأعوام أنواع المؤامرات والمخططات، والذی بدّد مکرهم أساسًا هو عاملان: الثبات على المبادئ الإسلامیة والحضور الجماهیری فی الساحة.
هذان العاملان هما مفتاح الفتح والفَرَج فی کل مکان. ‌العامل الأول یضمنه الإیمان الصادق بالوعد الإلهی، والعامل الثانی سیبقى ببرکة الجهود المخلصة والبیان الصادق. الشعب الذی یؤمن بصدقِ قادته وإخلاصهم یجعل الساحة فاعلة بحضوره المبارک. وأینما بقی الشعب فی الساحة بعزم راسخ فإن أیة قدرة ستکون عاجزة عن إنزال الهزیمة به. هذه تجربة ناجحة لکل الشعوب التی صنعت بحضورها الصحوة الإسلامیة.
أسأل الله تعالى لکم ولکل الشعوب أن یسددکم ویأخذ بناصرکم ویعینکم ویغدق علیکم شآبیب رحمته إنه تعالى سمیع مجیب.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته .
 

 
 

رمز الخبر 184881