یوسف مکی

 


خبرأونلاین-فیما یتعلق بالصراع فی البحرین بین النظام والمعارضة لا یتوقف هذا الصراع على ما یسمى بموازین القوى فقط، انما یتعلق بامور اخرى بالاضافة الى موازین القوى. فقد یصور البعض ان النظام من القوة بمکان بالقیاس الى قوة المعارضة او امکانیات الشعب. وبالتالی فإن الموازین على الأرض لیست فی مصلحة المعارضة، حیث القوة هی التی تحدد نتائج الصراع.
هکذا یرى البعض. إلا ان المسألة لیست بهذا التسطیح. فالنظام الحاکم فی حقیقة الأمر لا یملک من القوة سوى ادوات القمع بمعناها الشامل. لکن هذه مهما کانت مفیدة للنظام لا تشکل قوة مطلقة ولا تحل القضایا السیاسیة المصیریة، ولا تعطی النظام سیطرة مطلقة على الأرض، فهو یعانی من نقاط ضعف مهلکة لو احسن استثمارها من قبل المعارضة - إنه یعانی من ارباک شدید فی بنیته القبلیة ویعانی من تخبط شدید غیر مسبوق فی ادارة الصراع، کما یعانی من شبه عزلة دولیة وفضیحة بجلاجل فی مجال انتهاکات حقوق الانسان، ناهیک عن انعدام الشرعیة بالمعنیین السیاسی والاخلاقی تجاه
شعبه، وخطاب ایدیولوجی واعلامی مهلهل وغیر مقنع حتى لأقرب المقربین، بالاضافة الى عدم قدرته على الحکم وادارة البلاد والعباد بطرقه القدیمة حیث البلاد تسیر فی نفق مظلم، والکلفة البشریة باهظة.
بهذا المعنى فإن النظام غیر قادر على تنظیم صفوفه والترابط فیما بین ارکانه، قد یبدو متماسکا فی الظاهر لکنه لیس کذلک على مستوى البنیة والواقع، وعلیه فهو لیس کما یبدو، وانما آخذ فی التآکل، وتشیر بعض المؤشرات الى ان صراعات طاحنة تعتمل فی مستویاته العلیا، وما على المعارضة إلا ان تستثمر ما یحصل من تصدعات فی قمة هرم النظام.
اذن عناصر قوة النظام الذاتیة تکاد تکون معدومة، والدلیل القطعی على ذلک انه مستمر فی استخدام عنصر القوة الوحید لدیه، النار والحدید، او ما یعرف بالمعالجة الامنیة / القمعیة دون ان یستطیع ان یحسم شیئا او یقدم بدیلا. فهذا هو العنصر الوحید فی قوته، ودون ذلک محکوم علیه بالسقوط، حیث العناصر الأخرى للقوة معدومة.
فی مقابل ذلک، فإن المعارضة ومن ورائها الشعب قد تبدو ضعیفة امام عنف النظام، ولا تملک النار والحدید والرصاص، لکنها ایضا لدیها من عناصر القوة ما یمکنها من مقارعة النظام، وکما قلنا فإن القوة مجموعة من العناصر ولیست عنصرا واحدا والمعارضة تمتلک مجموعة من عناصر القوة التی لا یمتلکها النظام. اذن این المشکلة فی قوة المعارضة؟.
المشکلة فی قوة المعارضة کما تبدو هی تبدیدها لعناصر القوة لدیها، واهم هذه العناصر هی التنسیق فیما بین القوى الفاعلة فی الساحة، بدلا من التخبط، الرفض الواضح لقرارات السلطة المنافیة للدیمقراطیة والرد علیها عملیا، تفعیل حرکة الشارع ومختلف اشکال المقاومة السلمیة والمدنیة الدیمقراطیة، توسیع دائرة التحالفات وامکانیة ادخال قوى جدیدة فی الحراک الشعبی، استثمار خبرات الشخصیات الوطنیة المناضلة وانخراطها فی الحراک الشعبی، طرح الشعارات الجامعة، الخروج من الأنانیات والحساسیات الحزبیة ولغة الکم والاتباع الى رحاب المشروع الوطنی
الدیمقراطی الجامع، طرح مدنیة الدولة دون لبس وبعیدا عن الشعارات الدینیة او الطائفیة، واذا تطلب الامر طرح علمانیة الدولة بدلا من قبلیتها او طائفیتها، الوضوح فی المواقف السیاسیة ازاء ثورات الربیع العربی بعیدا عن الحسابات الایدیولوجیة والاقلیمیة، الطرح الإعلامی المدنی العقلانی لقضیة الشعب البحرانی وبعیدا عن الشواش الطائفی، او المذهبی، او القبلی، ومخاطبة العالم باللغة السیاسیة والفکریة التی یفهمها.
هذه کلها عناصر قوة فی ید المعارضة، فیما لو تمت الاستفادة منها من قبل المعارضة فإنها ستربک النظام بالتأکید، وعندها سیکتشف النظام متأخرا أن لیس بالقوة العاریة والمفرطة یحیا النظام، إذْ لا بد من مبررات ومسوغات اخــرى للحکم وادارة شئون البلاد، لا بد من السیاسة بما هی حسن تدبیر امور الناس واشراکهم فیما یتعلق بحیاتهم، ودونها یصبح النظام فی حکم الساقط والفاقد للشرعیة على الرغم من النار والبارود. وسیکتشف ان لدى المعارضة من عناصر القوة ما یمکنها من فرض اجندتها السیاسیة، وسیعترف النظام مجبرا انْ لا خیار لدیه إلا تلبیة مطالب الشعب التی
خرج من اجلها. بالنتیجة قوة النظام لیست فی ذاته، او فی بنیته، فهو نظام متهالک متصدع منذ زمن، بقدر ما هی فی خارجه، وبالتحدید فی تضعضع المعارضة بمختلف توجهاتها، وعدم قدرتها على استثمار عناصر القوة لدیها وتنویع اسالیب النضال والمواجهة، وتجاوز الاختلافات الحزبیة الضیقة والاتفاق على هدف یحظى بالاجماع، ویساهم فی الوقت نفسه على استقطاب قوى اخرى راغبة فی التغییر، وفی نفس الوقت استثمار عناصر الضعف فی النظام وتآکل قدراته.
لذلک على المعارضة ان تعید النظر فی کثیر من التکتیکات والاستراتیجیات، ومن ضمنها اعادة النظر فی الخطاب السیاسی المهادن، والمائع فی بعض الأحیان، وغیر الواضح فی احیان اخرى، واعادة النظر فی طریقة عملها المیدانی. أی تحدید ما المطلوب مرحلیا، وما المطلوب استراتیجیاً عمله ازاء النظام الخلیفی، لتثمیر عناصر القوة لدیها.

باحث بحرینی فی علم الاجتماعی

رمز الخبر 184216