د. کمال الهلباوی

خبرأونلاین-جاء یوم موعد إیضاح اللاءات العشر- فی هذا المقال کما وعدت من قبل- والسیناریوهات المستقبلیة المحتملة أو المتوقعة، فی ظل الظروف الصعبة التی تمر بها مصر بعد ثورة عظیمة، وبعد أن تولى مهمة الحکم فیها والمسؤولیة الأولى الاسلامیون بقیادة الإخوان المسلمین. أما اللاءات العشر فی ظنی والتی یجب أن یستشعرها کل مصری یعیش فی روح هذا الوطن، فهى تتلخص فی الآتی، وهی بالمناسبة قائمة فی الشارع المصری بدرجات متباینة، وإدراک مختلف، وهی تثیر القلق والیأس أحیاناً.
أولاً: لا، لانتهاکات حقوق الانسان.

 قرأت وشاهدت جرائم بشعة فی مصر- أبشع الجرائم منها الاعتداء الجنسی على بعضهم فی المعتقل حتى لو کان حالة واحدة، ولکنها أکثر من حالة فی أکثر من مکان للأسف الشدید. ومن الانتهاکات البشعة کذلک إجبار بعضهم فی الاعتقال على الهوهوة فی المعتقل أو قسم الشرطة، والسیر على أربع کالحیوانات عرایا أو شبه عرایا، فضلاً عن السحل، وحمادة صابر مثال واضح على ذلک. وحمادة المصری مثال آخر للاتهامات الباطلة أو الوقوع فی الفخ. ونحن نقول نعم للکرامة الانسانیة کمطلب إسلامی إنسانی ومطلب وهدف ثوری.'ولقد کرمنا بنی آدم'.
ثانیاً: لا، للاستقطاب وتقسیم المجتمع أو ترکه على إنقسامه.

الوطن ممزق، إذ هناک إسلامیون مقابل علمانیین ولیبرالیین، وهناک مسلمون مقابل أقلیات غیر مسلمة أو مسیحیین، وهناک سلطة مقابل معارضة، وهناک حتى بین الاسلامیین متشددون وهناک متسیبون، وهناک مکفراتیة وفتاوی شاذة، ویتم حفرها رویداً رویداً فی المجتمع المصری الوسطی مما یعلی شأن جنس أو نوع على آخر، إذ یعبر عنهاعلى سبیل المثال لا الحصر، برنامج هاتولی راجل، وغیره من البرامج التی تزید المجتمع إنقساماً وتزید لحمته إنفصاماً. وهناک فی المقابل علمانیة ولیبرالیة بلا حدود، وکلهم یزعم الاصلاح. وهناک إنقسامات داخل کل فصیل أو کیان أو تعددیة لا معنى لها ولا مستقبل.
ثالثاً: لا، للانفلات الأمنی وسیاسة التهدید والتخویف والترویع مهما کان المصدر، ونعم للاستقرار والأمن وسیاسة الطمأنة، وذرع الأمل فی المستقبل.

الانفلات الأمنی واضح لا یستطیع إنکاره أحد فی السلطة أو خارجها. بعض وسائل الاعلام غائبة تماماً عن ذکر الانفلات الأمنی، وکأننا نعیش فی مرحلة صدر الاسلام والعدل المطلق، ففی نظرهم، کل شیء جمیل والعدل متحقق، وبعضها یطرح حلولاً خیالیة لمشکلات الوطن وجمیع المواطنین معرضون نتیجة هذا الانفلات الأمنی مهما کانت أسبابه.
رابعاً: لا، للعنف والبلطجة ونعم للسلمیة فی المطالبة بالتغییر.

یعانی المجتمع من استخدام العنف فی بعض الشعارات والقرارات والأحادیث والمقالات والتحلیلات، وبعض برامج التوک شو لا تخلو من ذلک بل هی نموذج فی ذلک، حتى فی أحادیث الشارع. إختفت البسمة من على الشفاة رغم کثرة النکات. ولذلک قد یکون برنامج باسم یوسف الفکاهی مطلوب لعلاج الاکتئاب مجاناً. وعلت فی کل الأحزاب نبرات التأنیب والتوبیخ واستخدام ألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان. تذکرت الداعیة الإخوانی الحاج عباس السیسی رحمه الله تعالى، وهو یرد على من شتمه قائلاً له: إنت حمار؟ فرد علیه الحاج عباس قائلاً له: لا، أنا سیسی بس. فضحک الرجل وإعتذر وانصرف دون کراهیة ولا حقد ولا معرکة، فالوطن مشبع من ذلک وتلک. وکلمة 'سیسی' فی مصر تطلق غالباً على إبن البغلة. کم کان الحاج عباس موفقاً فی مواقفه الدعویة، وردوده المهذبة التی تحرج من أن أراد أن یحرجه، وبذلک کانت طریقته تکسب أعواناً على طریق الدعوة کل یوم.
خامساً:لا، لاستمرار البیروقراطیة والتخلف، ونعم للنماء والتقدم إصلاحاً أو تغییراً.

لا یلیق بعد الثورة العظیمة أن نقف مکتوفی الأیدی ونحن نرى التخلف ومنها البیروقراطیة. لابد من علاج. إن البلاد الأخرى التی فیها ثورات نجحت، اعتبروا التخلف عدواً وبعضنا یراه صدیقاً. عانینا طویلاً ولا نزال من البیروقراطیة ومن التخلف. یزورنی أو یتصل بی یومیاً بعض أهل الحاجات والمصالح المؤجلة نتیجة البیروقراطیة والتخلف فی الأداء، أو من یشتکون من الرد السیء على أصحاب الحاجات عندما یتابعون إنجاز أعمالهم المتأخرة أو الحصول على حقوقهم حتى من خلال دیوان المظالم. ولن یحدث تقدم أبداً فی إطار البیروقراطیة القائمة بل سیزداد التخلف، مما قد یستدعی، کما یتردد، حالیاً ثورة جدیدة أو ثورة جیاع، تأتی على الأخضر والیابس، وقد یکون العصیان المدنی بدایة لذلک، إن لم یعالج بعیداً عن البیروقراطیة والتخلف.'وقولوا للناس حسنا ' ویقول المصریون: 'لاقینی ولا تغدینی' هکذا یجب أن نکون مع أصحاب الحاجات على أقل تقدیر.
سادساً: لا، لتقدیم أهل الثقة فقط والاعتماد علیهم ونعم لأهل الخبرة والکفاءة.

أعتقد أن الفترة السابقة کافیة جداً للحکم على تجربة الاعتماد على أهل الثقة دون أهل الخبرة والکفاءة. الوطن کبیر وواسع، وفیه کفاءات راقیة وأصحاب عقل ناضج وحکمة من کل التوجهات، والوطن فی حاجة ماسة إلیهم جمیعاً، وخصوصاً فی ضوء التجربة القاسیة التی تعرض لها الوطن تحت حکم مبارک ثم بیروقراطیة الاسلامیین وتعمیق إنقسام المجتمع فی عهدهم. وقد أعجبنی کثیراً کلمة للشیخ الغزالی رحمه الله تعالى فی کتابه: مشکلات فی طریق الحیاة الاسلامیة، عندما قال: وقف سائح ینظر إلى الأندلس ویقول:' لقد کان للمسلمین هنا دولة عندما کانوا لله خلائف، وضاعت دولتهم عندما أصبحوا على ثراها طوائف'. رحم الله تعالى الشیخ الغزالی، فقد مات قبل أن یرى إنقسام السودان تحت رایة الاسلامیین، وأرجو أن یکون ذلک آخر إنقسام فی الأمة کلها.
سابعاً:لا. للضبابیة ونعم للشفافیة.

من أکثر الأمور المفتقدة فی السلطة الیوم فی مصر هی الشفافیة وهى لا تکلف شیئاً ولکنها مصدر أکید للثقة، وکان التعویل على هذا الأمر کبیراً بعد الثورة، ولکن التحسن فیه کان بطیئاً. ومن آثار تلک الضبابیة، التضارب الذی رأیناه فی التصریحات الکثیرة والتناقض فیها وبشأنها بل وفی قرارات واعلانات دستوریة ثم التراجع عنها. ومن هذه الأمور والقضایا، إستقالة بعض المستشارین من الرئاسة دون توضیحات مقبولة، وتضارب الأقوال فی ذلک الأمر، مما أفقد مؤسسة الرئاسة کثیراً من الثقة والمصداقیة عند الشعب. ومن نماذج ضعف الشفافیة على سبیل المثال لا الحصر ، ما دار حول زواج یاسر علی المتحدث الرسمی السابق باسم الرئاسة من الاعلامیة عبیر، وخطاب الرئیس مرسی إلى بیریز الذی أنکرته الرئاسة أولاً.
ثامناً: لا، للمصالح الجزئیة أو الحزبیة على حساب المصلحة الوطنیة أو القومیة ونعم لإعلاء مصلحة الوطن.

التفکیر الجزئی أو الحزبی على حساب المصلحة الوطنیة جریمة فی حق هذا الوطن الکریم، الذی أعطى کثیراً وضحى کثیراً، وتحمل کثیراً ونهبه اللصوص کثیراً. ولا ینبغی للوطنیین، إسلامیین أو علمانیین ولیبرالیین أن یقفوا وراء إعلاء المصالح الجزئیة أو الحزبیة وتقدیمها على مصلحة الوطن، لأن ذلک یزید الانقسام ویفوت على الوطن المصالح الکبرى، ویظن الناس وخصوصاً القائمون على الأمرأنهم یحسنون صنعاً. الکلام لا یفید وحده ولکن العمل أهم وأفعل، والعمل یجب أن یکون بناء على تفکیر سلیم وتخطیط دقیق وإلا فنحن کما یقول بعض حکماء الغرب: التفکیر دون عمل جریمة، والعمل دون تفکیر جریمة أکبر.
تاسعاً: لا، للاعتقالات العشوائیة والمعتقلات والتعذیب والمراقبة والتجسس على المواطنین والخصوم والمنافسین، ونعم للحریات الکاملة.

وهذه کلها جرائم وهی من الأعمال التی تتنافى مع الحریات. وهی جزء من میراث قدیم فاسد، وما ذکرى سید بلال وخالد سعید عنا ببعید. ولذلک لم یکن لقانون الطوارئ الذی اتخذه مرسی مؤخراً، أی قیمة. ولعب الناس الکرة لیلاً فی شوارع ومیادین مدن القنال، تحدیاً لقانون الطوارئ ذلک، ثم جرى إصدار تفویض الأمر وتقدیر الحال للمحافظین فی محافظات القناة، خروجاً من المأزق الکبیر.
عاشراً: لا للظلم ونعم للعدالة الاجتماعیة.
لا تزال المظالم فی معظمها قائمة ومضى علیها عقود وهی من التراث السابق، ولا ینبغی أن تزید فی عصر الاسلامیین بل یجب أن تنقص بالتدریج حتى تتلاشى تماماً. قد یکون هناک سعی ومشروعات قلیلة لتخفیف بعض هذه المظالم. ولکن تحقیق العدالة الاجتماعیة یقتضی تحقیق المساواة بین الناس جمیعاً، وتوزیع الخدمات بین الناس لأنهم شرکاء فی الماء والهواء والکلأ، ومن ذلک الوظائف والمسؤولیة. وتحقیق العدالة یقتضی رفع الظلم عن المظلومین جمیعاً.
هذه ظواهر فی المجتمع المصری الیوم یراها الناس فی الشارع قبل أن یتحدث عنها الاعلام وهی لا تحتاج إلى شواهد بقدر ما تحتاج إلى قیاس دقیق وعلاج ناجح. ونتناول فی المقال القادم بمشیئة الله تعالى: سیناریوهات المستقبل.

رمز الخبر 184566