لیس من قبیل الصدفة ان تدعو مجموعة من العلماء المسلمین بزعامة الشیخ یوسف القرضاوی الى الجهاد فی سوریة، فی تزامن واضح مع اعلان الادارة الامریکیة عزمها ارسال دفعات من الاسلحة المتطورة الى المعارضة السوریة ‘المعتدلة’، وابقاء قواتها (3000 جندی) وطائراتها (طراز اف 16) وصواریخها (باتریوت) فی الاردن.
ولیس من قبیل الصدفة ان تعلن امریکا ان النظام السوری استخدم اسلحة کیماویة من طراز غاز ‘السارین’ القاتل ضد خصومه فی دمشق وحلب، وتؤکد انه اخترق بذلک ‘الخط الاحمر’، وتردد الشیء نفسه کل من بریطانیا وفرنسا وقیادة حلف الناتو فی بروکسل، فهذا التنسیق فی المواقف الذی یأتی قبل یومین من انعقاد قمة الثمانی فی ایرلندا یکشف عن بدایات قویة ومباشرة للتدخل العسکری الغربی فی الصراع الدائر حالیا فی سوریة وعلیها.
الرئیس الامریکی باراک اوباما الذی تحلى بالحذر طوال العامین الماضیین، وقاوم کل الضغوط الممارسة على ادارته بضرورة التدخل عسکریا فی سوریة من قبل دول عربیة مثل السعودیة وقطر، وغیر عربیة مثل ترکیا، علاوة على اخرى من قبل جون ماکین زعیم الحزب الجمهوری، واخیرا بیل کلینتون الرئیس السابق، ها هو یقرر التراجع عن هذا الحذر خاصة بعد الانتصار الکبیر الذی حققه النظام فی منطقة القصیر بدعم من عناصر تابعة لحزب الله.
الاسلحة التی سترسلها الولایات المتحدة الى المعارضة السوریة ستکون ‘فتاکة’، وستتضمن صواریخ مضادة للدروع واخرى للطائرات، وستتولى مهمة الاشراف على ایصالها لقیادة الجیش السوری الحر، واللواء سلیم ادریس على وجه الخصوص، رئیس هیئة ارکانه الذی یحظى بإعجاب الحکومات الغربیة منذ اعرابه عن استعداده لتکوین قوات ‘صحوات’ لإنهاء وجود الجماعات الجهادیة، وجبهة النصرة على وجه الخصوص، اثناء کلمته التی القاها امام ممثلی دول اصدقاء الشعب السوری فی اسطنبول قبل شهرین.
ولعل ما هو اخطر من الاسلحة عزم الادارة الامریکیة على اقامة منطقة حظر جوی بعمق 40 کیلومترا داخــــل الاراضی الســـوریة قــــرب الحــدود مع الاردن، حیث من المتوقع ان تتولى فرضها وحمایتها الطائرات الامریکیة من طراز (اف 16) والفرنسیة (یورو فایتر) والبریطانیة (هاریر) التی شارکت بفاعلیة فی مناورات الاسد المتأهب فی وسط وجنوب الاردن.
‘ ‘ ‘
السؤال هو عن رد حلفاء النظام السوری على هذه التحرکات الامریکیة، فهل ستقف موسکو مکتوفة الایدی تراقب الأمر عن بعد، ام انها ستتدخل بدورها بطریقة مباشرة ام غیر مباشرة، وما هو موقف ایران التی قالت اکثر من مرة على لسان اکثر من مسؤول فیها بأنها لن تسمح بسقوط نظام الرئیس الاسد؟
الحکومة الروسیة اعلنت ان الاتهامات الامریکیة لنظام الرئیس الاسد باستخدام اسلحة کیماویة ‘غیر مقنعة’، وقال یوری اوشاکوف المستشار الدبلوماسی فی الکرملین ان هذه الاتهامات ‘مفبرکة’، وردد الشیء نفسه النائب الیکسی بوشکوف رئیس لجنة العلاقات الخارجیة فی مجلس الدوما.
انا شخصیا لا اثق بأی اتهامات امریکیة حول استخدام اسلحة کیماویة لسببین، الاول ان واشنطن فبرکت اکذوبة اسلحة الدمار الشامل العراقیة لتبریر غزوها واحتلالها للعراق، والثانی ان اکثر من مئة الف قتیل سقطوا فی سوریة منذ بدایة الانتفاضة ولم تحرک الادارة الامریکیة ساکنا، بینما ترید التدخل الآن لان 120 شخصا قتلوا بهذه الاسلحة. فهل استخدام الاسلحة التقلیدیة ‘محلل’ بینما استخدام الاسلحة الکیماویة ‘محرم’ ویستدعی التدخل؟
نحن هنا لا نبرىء النظام السوری، فمن یقتل مئة الف من مواطنیه بالدبابات والصواریخ والبرامیل المتفجرة لا یتورع عن استخدام ای اسلحة اخرى، ولکن النظام لو اراد استخدام هذه الاسلحة الکیماویة لاستخدمها منذ البدایة لیس لقتل 120 مواطنا بریئا مثلما قال البیان الامریکی، وانما لتصفیة مئات الآلاف دفعة واحدة.
هذا التدخل الامریکی فی حال حدوثه بالصورة المعلنة، سیؤدی الى قتل مؤتمر جنیف الثانی، ونسف کل الآمال بالتوصل الى تسویة سیاسیة للصراع فی سوریة وعلیها، مضافا الى ذلک انه سیؤدی الى إحداث شرخ کبیر فی اوساط الجماعات المقاتلة لإسقاط النظام السوری، او اشعال فتیل حرب اهلیة فیما بینها، وخاصة التنظیمات الجهادیة من ناحیة والجیش السوری الحر من ناحیة اخرى.
فمن الواضح ان الاسلحة الامریکیة لن تصل الى جبهة النصرة واحرار الشام وباقی الفصائل الاسلامیة المتشددة، وقد تستخدم فی تصفیتها بمبارکة النظام وروسیا معا.
‘ ‘ ‘
الدکتور الشیخ ایاد قنیبی احد ابرز المفکرین الاسلامیین المتعاطفین مع الجماعات الاسلامیة المقاتلة فی سوریة طرح عدة تساؤلات على حسابه فی تویتر ابرزها تساؤل یقول فیه ‘اذا دخلت قوات اجنبیة فی سوریة (امریکیة وغربیة) فهل یکون ‘جهادها’ واجبا شرعیا، وهل ستتم الدعوة من قبل علماء مسلمین الى مقاطعة امریکا؟’.
واضاف ‘هل اذا انتهت الحرب فی سوریة (بهزیمة الاسد) سیکون الجهاد ضد الیهود واجبا؟’.
هذه التساؤلات مشروعة، وهی ستکون مطروحة بقوة فی الایام او الاسابیع المقبلة، خاصة بالنسبة للعلماء المسلمین السنة الذین اعلنوا الجهاد فی سوریة ولم یعلنوه فی فلسطین حسب ما قاله الشیخ صلاح الدین ابو عرفة احد ائمة المسجد الاقصى، وتعرض بسببه لحملة شرسة من الشتائم.
الاعلان الامریکی عن ارسال اسلحة ودراسة اقامة منطقة حظر جوی ربما یکون البدایة فی حرب اقلیمیة شرسة فی المنطقة لا تتوقف عند حدود سوریة، والا لماذا تنشر امریکا واوروبا بطاریات صواریخ باتریوت على حدود الاردن وترکیا مع سوریة؟
لم نکن نضرب بالودع او نقرأ الفنجان عندما کنا من بین الذین توقعوا انفجار هذه الحرب فی الصیف الحالی، فالإدارة الامریکیة تملک خطة، وتجری مناورات مکثفة من اجل الاستعداد لها فی الخلیج العربی والاردن وترکیا واسرائیل، ویبدو ان العدّ التنازلی قد بدأ.
القدس العربی